بغداد ــ الأخبار
تسارعت الأحداث على الساحة العراقية، إثر تهديد التيار الصدري للحكومة بشنّ «حرب مفتوحة» عليها إذا ما استمرتّ الحملة عليه؛ تصعيد واجهه الاحتلال بتأكيد قدرته على حسم المعركة، فيما أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أنّ زيارتها لبغداد تستهدف «تدعيم المكاسب السياسية» من خلال حملة الحكومة «على الميليشيات»

بعد أسابيع من الاشتباكات بين التيار الصدري والقوات الحكومية المدعومة من الاحتلال، التي أدت إلى سقوط مئات القتلى، وجّه السيد مقتدى الصدر، أوّل من أمس، «آخر تحذير وكلام للحكومة العراقية»، دعاها فيه إلى «اتخاذ طريق السلام ونبذ العنف مع شعبها»، وهدّدها في الوقت نفسه بأنها «إن لم تكبح جماحها وجماح الميليشيات المندسة فيها، فسنعلنها حرباً مفتوحة حتى التحرير».
وأضاف الصدر، في بيان: «بعد ما قمنا به من توزيع نسخ القرآن وأغصان الزيتون واللجوء إلى الأمور السلمية كالتظاهرات والاعتصامات والإضرابات المشروعة، وبعد كل المفاوضات والتنازلات وحفظ هيبة دولتكم، ها أنتم تتكبرون وتستعملون سياسات النظام السابق وأتباعه الذي كان يمنع صلاة الجمعة ويغلق مكاتب العلماء ويهجِّر النساء والأطفال ويقتل الشيوخ، ويستعمل سياسة فرق تسد وأسلوب الاغتيالات، حتى امتدت يد الإثم لتقتل فضلاءنا»، في ما فسّره البعض كأنه إشارة إلى اتهام الحكومة بقتل قريبه وأقرب مساعديه رياض النوري.
وأوضح المتحدث باسم التيار الصدري، صلاح العبيدي، أن «الكرة الآن في ملعب الحكومة». وأضاف: «إذا بقيت على موقفها، فإنّ السيد الصدر هو من يحدد طبيعة الإجراءات المقبلة التي سنتعامل بها مع الحكومة».
وكانت مدينتا البصرة والصدر قد شهدتا تصعيداً خلال نهاية الأسبوع، بعد اقتحام قوة من الجيش العراقي، حي الحيانية، معقل الصدر في البصرة. وبلغت حصيلة الاشتباكات في مدينة الصدر في اليومين الأخيرين، أكثر من 30 قتيلاً، وعشرات الجرحى، سقط معظمهم خلال قصف جوي أميركي.
وتزامنت التطورات الأمنية مع بيان لـ«حركة الوفاق الوطني»، برئاسة إياد علاوي، كشف عن أنّ الحركة ستعلن اليوم، خلال مؤتمر صحافي مع الكتلة الصدرية و«حزب الفضيلة» و«جبهة التوافق العراقية» و«القائمة العراقية الموحدة»، مشروعاً «يهدف إلى تحقيق التوازن في العملية السياسية». وكان علاوي قد أشار في تصريحات له أول من أمس، إلى قرب طرحه لـ«مشروع وطني يضم القوى الوطنية من داخل العراق وخارجه».
وفيما لم تعلق الحكومة سياسياً على تهديد الصدر، ما خلا تكرار معزوفة أنّ الحملة الأمنية لا تستهدف التيار الصدري بل جميع الميليشيات الخارجة عن القانون، جاء ردّها أمنيّاً، إذ رفعت الأجهزة الأمنية درجة تأهّبها في معظم المحافظات الجنوبية التي تشكل معاقل «جيش المهدي». وأفاد شهود عيان بأنّ غالبية المساجد في مدينة الصدر، بثّت نداءات تدعو السكان إلى «مقاومة المحتلّ وإخراجه»، وتناشد «قوات الجيش العراقي عدم مقاتلة إخوانهم العراقيين».
وعلّق السفير الإيراني لدى بغداد، حسن كاظمي قمي، على التصعيد، داعياً حكومة بغداد إلى «الحوار» لمعالجة مشكلة الميليشيات، موضحاً أنّ صفة الميليشيات تنطبق أيضاً على المقاتلين السنة في إطار «مجالس الصحوة»، الذين استعان بهم الأميركيون.
وفي أوّل ردّ فعل للاحتلال على تحذيرات الصدر، هدّد قائد القوات الأميركية في محافظات بابل وواسط وكربلاء والنجف، الجنرال ريك لينش، بأنّه «إذا أصبح الصدر وجيش المهدي عدائيين جداً، فلدينا ما يكفي من القوة القتالية لنقل المعركة إلى العدو». وأضاف لينش، خلال لقاء مع الصحافيين في بغداد: «نرى تصاعداً في النفوذ الإيراني، وعدد الهجمات يمكن أن ينسب بصورة مباشرة إلى مجموعات من المتطرفين الشيعة الذين تدربوا في إيران».
بدورها، علقت رايس على التطورات الأخيرة بحذر، بعيد وصولها المفاجئ كالعادة إلى بغداد. وقالت: «من الصعب جداً معرفة ما هي دوافعه (الصدر) وما هي نوياته». لكنها شددت على أن واشنطن لن تعترض على مشاركة التيار الصدري «المسؤولة» في الانتخابات المحلية المقبلة في تشرين الأول. وأكّدت رايس أنّ رحلتها إلى بلاد الرافدين تهدف «لتدعيم المكاسب السياسية التي ربحتها الحكومة» من الهجمات الأخيرة على «الميليشيات المتطرفة». وأوضحت أنها «ترى إشارات» إلى أن حملة «صولة الفرسان» التي قادها المالكي، «قرّبت بين المجموعات المذهبية والإثنية بطريقة غير مسبوقة»، وأضافت دعماً كردياً وسنياً جديداً إلى الحكومة. وأشارت رئيسة الدبلوماسيّة الأميركية إلى أنّها لا تنوي لقاء ممثلي إيران، خلال مؤتمر دول الجوار في الكويت اليوم، مشيرة إلى أن الدعم الإيراني للميليشيات «لا يبدو أنه يتماشى مع هدف» تحقيق وعود طهران بدعم المالكي واستقرار العراق.
وكانت رايس قد دعت الدول العربية، قبل انطلاقها في رحلتها إلى الشرق الأوسط، «إلى فعل المزيد للوفاء بالتزاماتها»، لأن «العراقيين بدأوا بتنفيذ التزاماتهم»، من حيث تحسين الوضع الأمني، وشروع الحكومة في عملية المصالحة بين الطوائف. وقالت: «في مرحلة ما، على العرب الاعتراف بحقيقة أن العراق ملتزم بهويته العربية».
وتلقفت الكويت الدعوة الأميركية، بإعلان وزير خارجيتها، محمد الصباح، عزم بلاده على شراء مبنى في بغداد لإقامة سفارة فيها، ستكون الأولى منذ الاجتياح العراقي للكويت في عام 1991. ونفى أن يكون إنشاء سفارة في بغداد هو نتيجة الضغوط الأميركية، قائلاً إن بلاده لا تحتاج «إلى أجنبي ليشرح لها أهمية إرسال بعثة دبلوماسية» إلى بلاد الرافدين.
ميدانياً، عثر على مقبرتين جماعيّتين، ضمّت الأولى 16 جثة مجهولة الهوية ومقطوعة الرأس غرب مدينة الديوانية، والثانية شمال مدينة بعقوبة، فيها 21 جثة. وحصدت أعمال العنف أرواح نحو 20 عراقياً آخرين، في هجمات متفرقة في أنحاء العراق. كما قُتل جندي أميركي شمال العاصمة.