نيويورك ــ نزار عبودخفّ الضجيج الإعلامي بشأن قضية إقليم دارفور السوداني المضطرب في الآونة الأخيرة، ليس لاقتراب الحلّ، بل العكس، فالقرار 1769 القاضي بنشر القوّات الهجينة يبدو بعيداً من التطبيق، أقلّه في السنة الحالية، كما ارتفع عدد الضحايا، والحوار السياسي بات مؤجلاً. وتبدّلت مواقف الدول الكبرى، بحيث من كان يرفض سلام «سرت» وهُدّد بالعقوبات، أضحى يحظى برعاية أوروبية خاصة.
وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، جون هولمز، في تقرير قدّمه إلى مجلس الأمن الدولي أوّل من أمس، إنّ عدد الضحايا في دارفور وصل إلى 300 ألف نسمة. وأشار إلى أنّ «عدد القتلى هذا ليس من الأعمال القتالية المباشرة والعنف فحسب، بل من المرض والجوع، وكل أشكال النزاع المسلّح وعواقبه»، وهو ما يفسر تضارب الأرقام بين المنظمة والخرطوم، وحمّل «مجموعات المتمرّدين وأعوانهم» المسؤولية عن أعمال الخطف والتعدّيات المتعلقة بالقوات والجمعيات الإنسانية.
في المقابل، جدّدت الخرطوم تشكيكها في نيات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تجاه قضية دارفور، ووصف مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة عبد المحمود عبد الحليم في حديث لـ«الأخبار» كل ما يصدر عن المنظمة بـ«الغايات السياسية الخبيثة». وشدد على أنّ «90 في المئة من الإقليم آمن ويمكن التنقّل فيه بكل حرية، ومساحة صغيرة محفوفة بالمخاطر». وأضاف أنّ «بلاده ليس فقط تقبل نشر القوّات المختلطة، بل تقدّم لها كل أشكال الدعم، من تأمين الأرض لبناء المراكز والقواعد والماء والمباني والطرق، كما تعهّدت أيضاً نقل القوّات المصرية والإثيوبية إلى دارفور». واتهم المنظمة الدولية بأنّها «تتلكّأ في الإيفاء بالتزاماتها، وتدور حول مسألة جلب قوّات من خارج أفريقيا، في حين أنّ القوّات الأفريقية هي من أهم مصادر الأمم المتحدة البشرية في أماكن أخرى في العالم».
وشكا عبد الحليم من تلكّؤ الدول في تقديم الدعم المالي واللوجستي للقوات الهجينة، ولمّح إلى وجود مخطّطات طويلة الأمد لتقسيم السودان إلى دول عديدة كما يجري في أماكن أخرى من الشرق الأوسط. وكشف عن أنّه طرح خلال لقائه مندوب الولايات المتحدة لدى المنظمة زلماي خليل زاد، الدعوة إلى عقد مؤتمر متابعة لمؤتمر «سرت»، وأكّد له استعداد حكومة الخرطوم لحضوره، وأبدى زاد «اهتماماً بالاقتراح ووعد بنقله إلى عاصمته».
بدوره، حذّر الممثل الخاص المشترك للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، رودلف أدادا، في كلمة أمام مجلس الأمن، من أنّ «آفاق الحلول عبر مفاوضات شاملة بين الأطراف المتنازعة تبدو مظلمة». وأضاف أن «الموقّعين على اتفاقية السلام في دارفور لم يفقدوا صدقيتهم أمام قواعدهم الشعبية وحسب، بل إنّ الشعب محبط تماماً من تلكؤ المجتمع الدولي وحكومة السودان في تأمين الدعم المالي والسياسي واللوجستي للعملية». واستغرب مندوب جنوب أفريقيا، دوميساني كومالو، الذي ترأس بلاده مجلس الأمن حالياً، كيف تستقبل الدول الأوروبية «الحريصة على السلام في دارفور» متمرّدين رافضين تطبيق القرار 1769. وقال إن «معرقلي العملية السياسية يعيشون في عواصم أوروبية جميلة».
وكان من المفترض أن تحلّ القوّة الهجينة التي تُعرف بـ«يوناميد» وقوامها 19555جندياً محل قوات بعثة الاتحاد الأفريقي «أميس» في نهاية عام 2007 الماضي، إلّا أنّ ذلك لن يحدث حتى في مطلع العام المقبل، ولا تزال «يوناميد» تفتقر إلى طائرات مروحية هجومية، وطائرات رصد واستطلاع، ومروحيات إسناد رافعة متوسّطة القوّة، وأخرى عالية القوّة لنقل المعدات.
وقد أعربت إثيوبيا عن استعدادها لتأمين قسم من هذه المروحيات، فيما قدّمت روسيا قسماً آخر. أما الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا فقد أحجمت عن تقديم أي دعم من هذا النوع رغم مناشدة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في مناسبات عديدة.