strong>لا شكّ في أن مكتبة رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون تحوي العديد من الكتب السياسية والتاريخية وربما الأدبية. عشية الانتخابات المحلية، قد يقف براون أمام مكتبته تلك، يمرّر أنامله بين المجلّدات القديمة والجديدة، يختار أحد كتب ونستون تشرشل ويقرأ: «النجاح ليس نهائياً، الفشل ليس قاتلاً، فالشجاعة هي المقياس»، ويسرح في كم الانتقادات التي طالته منذ أن تولّى منصبه. فهل يمكن لبراون أن يخسر؟
ربى أبو عمو
اعتادت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغرت تاتشر أن تنعت خصومها بـ«الجبناء». وخلال التحضير لوراثة غوردون براون رئاسة الوزراء خلفاً لطوني بلير، تردّد في الأوساط السياسية بعض التوجّس من شخصيته، شيءٌ يشبه وصف تاتشر. فهل هو قادر حقاً على قيادة بريطانيا، أو على الأقل انتزاع بعض أضواء بلير؟ ربما الاثنان يتمتعان بابتسامة مميزة، تركّز عليها كاميرات الصحافة.
كان براون شخصية مهيمنة سياسياً، لكنه لم يكن شجاعاً، حتى إن بعض المحلّلين نسبوا ضعفه هذا إلى علاقته المضطربة وغير المستقرة مع بلير. فهو اشتهى منصب سلفه، إلاّ أنه لم يستطع فرض نفسه بصورة جيدة.
لا شكّ في أن هذه الانتقادات أزعجت براون كثيراً. وكأنه شعر منذ البداية بأن مصيراً سيئاً يتربّص به. والجديد الذي يضاف إلى حملة الانتقادات التي تحوم حوله هو أنه يواجه الانتخابات المحلية اليوم، وهي أول انتخابات كبيرة بالنسبة له، حيث ستنحصر المنافسة الأساسية على منصب عمدة لندن، حين تجري الانتخابات في إنكلترا وويلز.
موعد الانتخابات ليس جديداً. إلاّ أن المفاجأة تتجلّى في استطلاعات الرأي التي أظهرت مدى تأزم موقف حزب العمال، نتيجة التقدم لحزب المحافظين بفارق عشر نقاط، ما يمكن اعتباره بداية سكة التراجع العمالية ـــ البراونية. فاللورد ليفتي، الذي عمل في تنمية موارد حزب العمال، وهو حليف كبير لبلير، رأى أن براون لا يمكنه الفوز في انتخابات عامة.
المعركة الأساسية ستكون في لندن. ففوز حزب العمال في الانتخابات العامة الثلاثة الأخيرة، ارتبط بقدرته على الفوز بمنصب رئيس بلدية العاصمة. مدينة لها سحر خاص، فرئيس البلدية يسيطر على الميزانية السنوية بأكثر من 22 مليار دولار، وقراراته السياسة تؤثّر على 7.5 ملايين من اللندنيّين، إضافة إلى ملايين آخرين من الزائرين.
أكثر من ذلك، تناقصت شعبية براون مع تردي القضايا الوطنية، والسمعة السيئة المحيطة به كقائد، وتنامي الاستياء تجاه حكومة العمال، إضافة إلى الغضب الشعبي المتزايد جرّاء سياسته الضريبية، بعدما عمل على ابتكار 66 ضريبة جديدة. ورغم الوفاء بوعده وعدم زيادة ضريبة الدخل، إلاّ أنه استعاض عن ذلك بفرض ضرائب أخرى. هذا عدا عن تفكيره في إلغاء الضريبة التصاعدية التي ساهمت في إنعاش الطبقة الفقيرة والمتوسطة. كما يواجه رئيس الوزراء تمرّداً برلمانياً واسعاً على مقترحاته لزيادة مدة احتجاز المتطرفين المشتبه فيهم لـ42 يوماً.
ويعتمد المرشحون على منصب عمدة لندن على مسلمي العاصمة البريطانية. إذ يعوّل العمدة العمالي المنتهية ولايته، كين ليفنغستون، على دعم الجمعيات التي تمثّل المسلمين اللندنيين، وخصوصاً أنه عارض تدخل بلاده في العراق. ويقابله الناشط التروتسكي السابق الذي اعتنق الرأسمالية وينتمي إلى حزب المحافظين، بوريس جونسون، الذي رأى أن الإسلام في حد ذاته «مشكلة».
وبالعودة إلى بعض من تاريخ حزب العمال البريطاني، وتحديداً بعدما تولّى بلير رئاسة الوزراء، شهد الحزب نفحة تحديث، أدت إلى معارضة القوى التقليدية داخله، لتقرّبه من الاشتراكية، ما عدّته زعامة الحزب عبئاً انتخابياً. وأثمرت مساعي التحديث إلغاء البند الرابع الذي يلزمه بعمليات التأميم، ليحتلّ بعدها موقع يسار الوسط.
وفي انتخابات عام 1997، تراجعت حكومة المحافظين ولم تعد تملك أفكاراً جديدة، وخصوصاً بعد اتهامات الفساد التي ظلّلت برلمانيين من هذا الحزب. وكانت النتيجة فوزاً كاسحاً لبلير. وألغيت السياسة القديمة التي تقضي بفرض الضرائب من أجل المصروفات، وتقرّر معاملة الاتحادات العمالية بصورة عادلة ومن دون تحيز. وأعرب الحزب بوضوح عن نيته بإمساك العصا من الوسط.
إلا أن الانشقاقات بدأت تظهر داخل أروقة الحكم، إذ بدأ الحديث عن نزعة السيطرة لدى زعامة الحزب، والعقوبات التي تفرض على من يخرج عن الإطار المقرر، هذا عدا تهم الفساد الذي راحت تتفشى داخل المؤسسة الحزبية، فوجد كبار أعضاء الحكومة العمالية أنفسهم في مواجهة النقد الصحافي من دون أن تكون لهم يد في الأمر. كما أصيبت الحكومة بحرج لاختيارها مرشحاً معيناً لمنصب عمدة لندن، وهو الوزير السابق فرانك دوبسون، إلاّ أن كين ليفنغستون واصل حملته كمستقل من حزب «العمال»، وفاز بالمنصب.
وشعر زعماء الحزب بالقلق نتيجة أزمة النفط في عام 2000، بعدما أفادت استطلاعات الرأي العام في ذلك الوقت بأن البريطانيين بدأوا بالتخلي عن حزب العمال. وطوال هذا الوقت، ظل التوتر قائماً بين القائمين على تحديث العمال من ناحية، والحرس القديم من ناحية أخرى.
وبعد تراجع نجم بلير نتيجة مشاركته في الحرب على العراق، حان دور براون الذي يواجه وحزبه عداً عكسياً، قد يكون حاسماً في الانتخابات العامة المتوقعة في عام 2009 أو 2010، في حال فوز المحافظين اليوم، باعتبار أنها بداية نهاية الخصم.
وإلى ذلك الوقت، سيواصل براون متابعة برامجه التلفزيونية المفضلة، وقد يصغي جيداً إلى الإعلامية الأميركية أوبرا وينفري، «لا أؤمن بالفشل. فهو ليس فشلاً إذا استمتعت به»، فيهدئ من روعة الفشل، ويرحل بهدوء.