حماية من «البشمركة» ومقاطعة سنيّة وتعهّد بطرد «مجاهدي خلق» وتجاهل لاتفاقيّة الجزائر
أكثر من أهميّة سياسيّة واقتصاديّة وتاريخيّة تحملها زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى العراق. زيارة هي الأولى لرئيس إيراني منذ 29 عاماً، بدأت أمس، وتنتهي اليوم، وجّه خلالها مجموعة من الرسائل إلى كلّ من العراقيّين، والاحتلال الأميركي، كما إلى الدول العربيّة المحيطة ببلاد الرافدين، حيث تنظر إلى دور طهران بعين الداعم لشيعة البلاد على حساب سنّتها.
وكانت إشارات الزيارة بدأت تتوزّع قبل أن تحطّ طائرة نجاد في مطار بغداد. رسائل في الشكل كما في مضمون التصريحات لازمت الرحلة في يومها الأوّل. نجاد هو أرفع مسؤول أجنبي يحطّ بطائرة على المطار، في زيارة أُعلن عنها قبل أسابيع.
نقطة أولى سجّلها نجاد على حساب نظيره الأميركي جورج بوش. فالأخير، لم يجرؤ في زياراته الثلاث إلى الأراضي العراقيّة، على أن يعلن موعدها. الرجل كان يصل ليلاً وسرّاً في مروحيّات جيشه، ويطير هارباً من شبح الاستهداف. لكنّ المقارنة بالرؤساء والملوك العرب لا تصحّ، ببساطة لأنّ أحداً من هؤلاء لم يزُر العراق بعد 2003.
ملاحظات عديدة رافقت نجاد ووفده (وزير الخارجية منوشهر متّكي ووزير الطاقة برويز فتاح ووزير الاقتصاد والمالية داوود دانش جعفري ووزير الطرق والمواصلات محمد رحمتي): أوّلاً، تولّي فرقة من «البشمركة» الكرديّة أمن الرئيس الإيراني بعد رفض القوّات الأميركيّة القيام بالمهمّة كما جرت العادة عند الزيارات الأجنبيّة.
ثانياً، غياب أيّ مسؤول عراقي سنّي (حتّى نائب الرئيس طارق الهاشمي) عن الاستقبال الرسمي أو عن الاجتماعات التي عقدها الزائر الإيراني مع رئيس الوزراء نوري المالكي والرئيس جلال الطالباني ووزير الخارجية هوشيار زيباري. مقاطعة جاءت تكريساً لانقسام الشارع العراقي إزاء الزيارة.
ثالثاً، غياب موضوع اتفاقيّة الجزائر عن جدول أعمال اللقاءات، وهي الاتفاقية التي أثارت أخيراً إشكالاً بين البلدين.
رابعاً، يعود نجاد إلى بلاده غداً ومعه تعهّدات عراقيّة عبّر عنها كل من الطالباني والمالكي بأن يطردا سريعاً المنظّمة الإيرانيّة المعارضة للحكم الإسلامي، «مجاهدي خلق»، التي اعتبرها المسؤولان «منظّمة إرهابيّة لا مكان لها في العراق الديموقراطي»، علماً أنّ طهران ترى أنّ ما لا يقلّ عن أربعة آلاف من هذه المنظّمة التي تسمّيها «منافقين» (بدل مجاهدين) يقيمون في معسكر «أشرف» الواقع قرب منطقة العظيم في محافظة ديالى.
خامساً، رغم أنّه لم يتمّ رأب الصدع نهائياً في العلاقات الثنائيّة بين البلدين، إذ بينهما أكثر من مليون قتيل في حرب الأعوام الثمانية (1980 - 1988)، فإنّ الزيارة ستسبّب بلا شكّ ذوبان شيء من الجليد الباقي.
وفي السياق، جرى توقيع العشرات من الاتفاقيات والمعاهدات الاقتصاديّة والتجارية لتسهيل مرور شاحنات النقل وتأمين تأشيرات خاصة لرجال الأعمال، والتعاون في مجال إقامة معارض تجارية... كما ستقدّم إيران قرضاً بقيمة مليار دولار للعراق لمشاريع تنمويّة.
وبعدما عجز الأميركيّون عن عرقلة الزيارة، بدا بوش مسلّماًَ بحتميّة الدور الإيراني في العراق، طالباً من حكومة المالكي الضغط على ضيفها ليتوقّف عن «تصدير الإرهاب». وقال بوش، في تكساس، إن «الرسالة العراقية لنجاد يجب أن تكون: توقّفوا عن إرسال معدات متقدّمة تقتل مواطنينا، والرسالة ستكون: إنّنا نتفاوض على اتفاقية أمن طويلة المدى مع الولايات المتحدة لأنّنا نريد فترة كافية لالتقاط الأنفاس لكي تتطوّر ديموقراطيّتنا».
ردّ نجاد جاء أمام المالكي: «على الأميركيّين أن يفهموا أنّ الشعب العراقي لا يحبّ أميركا»، ما أحرج رئيس الوزراء الذي لم يعلّق حتّى على الكلام، فهو الحليف لواشنطن ولطهران في آن.
نجاد أنكر مرّة جديدة أن تكون بلاده تدعم الميليشيات العراقيّة في مقاتلة الأميركيّين. وتساءل «أليس من الغريب أن يقوم الذين لديهم 160 ألف عسكري في العراق باتهام الآخرين بالتدخّل؟ بمقدوركم القول للسيد بوش إنّ اتهام الآخرين سيزيد من مشاكل أميركا في المنطقة ولن يحلّها، يجب أن يتقبّلوا الحقائق في المنطقة». بل أكثر من ذلك، رأى بعد لقائه رئيس «المجلس الأعلى الإسلامي» عبد العزيز الحكيم، أنّه «قبل 6 سنوات، لم يكن هناك إرهاب في المنطقة، ومنذ أن وضع الغرباء (الأميركيّين) أقدامهم، انتشر الإرهاب»، داعياً واشنطن إلى «تغيير نظرتها إزاء طهران».
بدوره، أظهر المالكي حفاوة استثنائية بضيفه. فأشار إلى أنّ الحوار معه كان «ودّياً وإيجابياً، ووجهات النظر متطابقة، وأعتقد أنّ درجة الثقة عالية جدّاً، وأقول بصراحة إن الموقف الذي وقفته الجمهورية الإسلامية في الفترة الأخيرة كان مساعداً إلى درجة كبيرة جداً». وكما فعل نجاد عندما قال إن «الدول التي لم تدعم العراق في هذه الظروف الصعبة ستندم على ذلك»، في إشارة منه إلى «الدول العربية التي لا تزال تقاطع حكومة بغداد، دعا المالكي هذه الدول إلى أن تحذو حذو إيران». وتابع «أؤكّد مرّة أخرى أنّ هذه الزيارة ستكون قطعاً مشجّعة وباعثة للأمل ودافعة لبقيّة إخواننا وأشقّائنا من دول الجوار لزيارة العراق والانفتاح على تجربة العراق الديموقراطي الجديد».
وكان نجاد قد حاول بعد لقائه نظيره العراقي إضفاء أكبر قدر من الودّ والصداقة على تصريحاته، فرأى أنّ «وجود عراق موحَّد ومستقرّ أمر ضروري لأمن واستقرار المنطقة بكاملها». ولفت إلى أنّ «زيارة العراق من دون الديكتاتور (في إشارة إلى صدام حسين) هي زيارة سعيدة بحقّ». وقد وافقه الطالباني في قوله «هناك اتفاق بيننا في وجهات النظر على جميع القضايا المطروحة».
وأُعِدَّ استقبال رسمي مميّز جدّاً للرئيس الإيراني في مقرّ إقامة الطالباني، علماً أنّ استقباله في مطار بغداد الدولي، اقتصر على زيباري ومستشار الأمن القومي موفّق الربيعي.
ويُتوَقَّع أن يزور نجاد اليوم مدينتي كربلاء والنجف. وكان مسؤول في السفارة الفرنسية في العراق قد كشف أنّ سفراء للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي سيلتقون الرئيس الإيراني خلال زيارته. لكنّ المتحدّث باسم السفارة الأميركية فيل ريكر قال إنّه ليس هناك نية من جانب السفير الأميركي ريان كروكر بإجراء أي محادثات معه.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)