حسام كنفاني
لا تعذري غزة. لا تغفري. ليس هناك من يستحق. قاتلي وحدك واستشهدي وحدك. لا تتوقّعي نصرةً ولا تتوهّمي عوناً. أشقاؤك اليوم هم أعداؤك، يلومونك على الموت: «لمَ لم تستسلمي، كيف جرؤت على القتال، ألم تسمعي بالنظرية الواقعية، أم تخيلت أنك من الممكن أن تستدرجينا إلى معركة مع شركائنا في السلام؟».
ما عاد هناك مكان للخجل. باتت العمالة شعاراً وافتخاراً يرفعه القابعون فوق كراسيهم في العالم العربي. لا تستهجني يا غزة إذا لم تسمعي سوى صدى الصمت على أشلاء قتلاك. ولا تفرحي ببيانات الشجب. إنها بيانات من وراء القلب، تحاول تغطية تواطؤ مفضوح من الجميع على قتلك.
لا تبرّئي أحداً من دم أطفالك. لومي الجميع واغضبي على الجميع واثأري من الجميع. ألم تسمعي رياض المالكي وهو يبرر للقاتل جرائمه؟ ألم تقرإي بيان القاهرة وهي تشكو «الاستخدام المفرط للقوة»؟ والصامتون أكثر تواطؤاً. لا تتوقعي أن تثير صور الأشلاء المتناثرة في مخيم جباليا نخوتهم. لا تتأملي أن يستنهض فيضان الدماء في شوارعك همّة أي أمّة تظنين أنك تنتمين إليها.
لا تركني إلى صحوة أمم لم تعد موجودة. تعيش اليوم على هامش الحياة مسلوبة الإرادة. لا تحسب قتلاك إلا أرقاماً تضاف إلى لائحة نزف طويلة. لن ينجح بكاء أطفالك ونحيب نسائك ورجالك في إلهائها عن تآمرها على نفسها. لن تستدرّ صورة ابنة الخمسة أيام وهي تلفظ أنفاسها على سرير «الشفاء» إلا دموع تماسيح لن تلبث أن يمسحها اتصال «مواساة» من وراء البحار.
يتمنون موتك اليوم قبل غداً، يترقبون اندثارك عن وجه البسيطة. ألم تفهمي بعد أن صمودك يفضح انهزامهم؟ وقتالك يعرّي استسلامهم؟ ألم تستوعبي بعد أنك كابوس يخشون انتقاله إلى شوارعهم. ترعبهم فكرة انتقال عدواك، يتوقون إلى اعتمادك عبرة لكل من لا يزال تراوده فكرة التصدّي. سيهللون لهزيمتك ويرقصون في جنازتك. هم اليوم من يخفي الخنجر خلف دمعة حزن. يترقبون اللحظة المناسبة لتسديد الطعنة القاتلة.
راهني غزة على نفسك. واجهي قدرك، قاومي الموت الزاحف على شعبك ومقاومتك. وتذكري جيداً أن القاتل ليس واحداً، وساعة الحساب لا بد أن تأتي.
لن تموت غزة، وستبقى مثال مقاتل يعبّر عنه محمود درويش بالقول: «قد يزرعون الدبابات في أحشاء أطفالها ونسائها وقد يرمونها في البحر أو الرمل أو الدم ولكنها لن تكرر الأكاذيب ولن تقول للغزاة: نعم. وستستمر في الانفجار. لا هو موت ولا هو انتحار ولكنه أسلوب غزة في إعلان جدارتها بالحياة».