حسام كنفانيخلال الشهور التي تلت عملية «الحسم العسكري» في قطاع غزة، تمّ تداول العديد من المبررات والسيناريوهات التي مهّدت لـ«حماس» تنفيذ «حسمها» في 14 حزيران الماضي، إلا أن أي وثائق لم تدعم هذه القصص، التي بقيت في إطار «نظرية مؤامرة وهمية» ليس لها أي أدلّة موضوعية، غير الاعترافات التي استحصلت عليها الحركة الإسلامية من «الفتحاويين» المعتقلين في غزة.
غياب هذه الأدلّة سمح للرئيس الفلسطيني محمود عباس بتسويق روايته شعبياً، باعتباره «الطرف المغبون والمنقلب عليه» في المعادلة الفلسطينية، ليروّج بعدها شروط حواره مع «حماس»، وفي مقدمتها الاعتذار عن «الانقلاب على الشرعية» في قطاع غزة.
إلا أن ما كشفته مجلة «فانيتي فير» الأميركية أول من أمس، يطرح أكثر من علامة استفهام حول مسببات الحسم العسكري ودواعيه، ويعيد ترتيب المسؤوليات، وربما يقلّب الأدوار في خصوص «من يعتذر لمن».
إلى الآن، لم يصدر أي نفي من السلطة الفلسطينية، أو حتى من القيادي «الفتحاوي» محمد دحلان، لما ورد في التقرير الذي وثّق التحضيرات للانقلاب على «حماس». وأبو مازن لا يمكن أن يعزل نفسه عن مخططات الانقلاب، التي نسّق لها دحلان مع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس. وإن كان التقرير لم يذكر ضلوعه مباشرة، إلا أنه أعطى مؤشرات إلى اطلاعه على ما يخطط له والتنسيق المسبق مع رايس على حلّ حكومة «حماس».
وحتى في الاستعدادات العسكرية للانقضاض على الحركة الإسلامية، كان لعباس دور خفي سهّل خلاله لمحمد دحلان الإمساك بمقاليد الأجهزة الأمنية وفق ما تقتضيه الخطة الأميركية، ما يعني أنه كان مشاركاً مباشراً في الإعداد للتآمر على خيار الشعب الفلسطيني، حتى وإن لم يذكره التقرير.
عباس اليوم مطالب بالاعتذار قبل «حماس»، ليس عن الإعداد للحرب الأهلية فقط، بل عن مسؤوليته عن استمرار الوضع القائم على الساحة الفلسطينية إلى أجل غير مسمّى؛ فالتقرير ومحتواه يطرحان تساؤلات حول مصير أي دعوة حوارية مقبلة لإعادة اللحمة إلى الساحة الفلسطينية.
وبالنظر إلى سياق الأحداث الذي كشف عنه، فإن واشنطن لن ترضى عن أي حوار يفتحه الرئيس الفلسطيني في المستقبل مع حركة «حماس»، وبالتالي فأي حوار بين الطرفين سيكون محكوماً بالانقلاب على غرار اتفاق مكة.
وأي تحايل على «الفيتو» الأميركي قد يؤدي إلى موجة اقتتال داخلي جديدة في الضفة الغربية وقطاع غزة، على غرار ما سبق «الحسم العسكري». فالإدارة الأميركية، حتى في غياب محمد دحلان عن ساحة القرار الفلسطيني، لا تزال تملك مفاتيح أخرى تسهّل لها إعادة تفعيل مخطط «الحرب الأهلية»، مع تعديلات تتماشى مع المرحلة الحالية.
هذا الواقع يطرح استنتاجاً لا مفرّ منه، وهو أن حال الانقسام الداخلي الفلسطيني باقية ما دامت إدارة الرئيس جورج بوش في البيت الأبيض، وقد يتمدّد في حال وصول إدارة جمهورية جديدة.