قرار منظّمة الدول الأميركيّة يرضي الجميع... ولا يدين بوغوتا بول الأشقر
بعد 14 ساعة من المفاوضات القاسية، توصّلت منظّمة الدول الأميركيّة أوّل من أمس، إلى نصّ بيان أُقرّ بالإجماع مؤلّف من توطئة تليها ثلاث نقاط، من أجل معالجة هادئة للأزمة التي نشبت السبت الماضي بين الإكوادور وفنزويلا من جهة، وكولومبيا من جهة أخرى، على خلفيّة قيام مقاتلات كولومبيّة بخرق الأجواء الإكوادوريّة وقتل القيادي في منظّمة الـ«فارك» اليساريّة، راوول ريّس و16 من رفاقه.
ويذكّر بروتوكول الاتفاق، في مقدّمته، بحيثيّات الغارة الكولومبيّة ويصفها بأنّها «خرق لسيادة الإكوادور وحرمة أراضيها ومبادئ القانون الدولي»، ويحمّلها «مسؤوليّة الأزمة الخطيرة بين الدولتين (الإكوادور وكولومبيا)» من دون إدانة كولومبيا بالاسم.
أمّا الاتفاق، ففي نقطته الأولى، «يعود ويؤكّد أنّ أراضي كلّ دولة تتمتّع بحرمة تحول دون احتلال عسكري أو أيّ أعمال قوّة تقوم بها دولة أخرى، مباشرةً أو لا، مهما كان السبب، ولو لفترة مرحليّة».
النقطة الثانية تنصّ على تأليف لجنة من 4 سفراء يترأسها الأمين العام للمنظمة، خوسيه ميغيل إنسولزا، تزور «مكان الحادث والأمكنة التي يحدّدها الطرفان وترفع توصياتها لاجتماع وزراء الخارجيّة، ومنها سبل التقارب بين الطرفين». أمّا النقطة الثالثة فتدعو إلى اجتماع لمجلس وزراء خارجيّة المنظمة في 18 من الشهر الجاري «للاستشارة والاطلاع وتبنّي الخطوات الضرورية».
هذا الاتفاق لا يحلّ المشكلة الأساسية المرتبطة بالسلام في كولومبيا بالتأكيد، إلّا أنّه يضع إطاراً للحلّ المؤقّت وتدابير على الحدود، البالغ طولها 600 كيلومتر، بين كولومبيا والإكوادور، إضافة إلى أنّه يحوّل إلى اجتماع مجلس الوزراء «التخريجة السياسيّة» التي من المسلّم مسبقاً أنّها ستطلب «اعتذاراً أكثر شفافيّة» من الرئيس الكولومبي، ألفارو أوريبي، إلى نظيره الإكوادوري رافاييل كوريا.
ولم يكن من الممكن إصدار بيان مختلف بعدما ندّد جميع المشاركين، باستثناء الولايات المتحدة، ولو بلهجات وأساليب متنوعة، بغارة أوّل آذار مع أنّهم تلقّوا جميعاً من كولومبيا ملفاً يتضمن مقتطفات من محتويات كومبيوتر راوول ريّس.
وصدر البيان غداة اتصال الرئيس الأميركي جورج بوش بأوريبي، للتعبير عن دعم شديد اللهجة من نوع «دعم العمليّة العسكريّة ضدّ الإرهاب... وعدم التخلّي عن حلفائنا... والتنديد بمناورات (الرئيس الفنزويلي هوغو) تشافيز الاستفزازية»، معطوفاً على طلب إلى الكونغرس «في هذا الظرف الحاسم» بإقرار اتفاقية التجارة الحرّة مع كولومبيا.
الأطراف المتصارعة راضية جميعها، كلّ واحد لأسبابه: الإكوادور، الأصغر والأضعف، لأنّها رأت في القرار مدخلاً منطقيّاً يمكن البناء عليه «لتكبير حجر السيادة» وضمان عدم تجدّد نوع كهذا من الغارات. وكولومبيا لأنّها لم تُدَن، وأيضاً لأنّه سيكون بوسعها تبيان للجنة سبب الغارة «أي كيف ترى الحدود من عندها». وأخيراً، فنزويلا، لأنّ الاجتماع بيّن «عزلة كولومبيا وعرّابها الأميركي».
وعرف يوم أوّل من أمس سباقاً محموماً في أخبار الوكالات بين تغطية تمركز الجنود الفنزويليّين على الحدود الكولومبيّة، وازدياد عديد الجنود الإكوادوريّين عند الحدود مع كولومبيا، فيما الناس في محافظة سوكومبيوس، حيث وقعت الغارة، لا يخشون إلّا «تجدّد الغارة».
عند الحدود الفنزويليّة التي تمتدّ أكثر من 2200 كيلومتر، لا شيء منظور، لأنّ كاراكاس نشرت أقلّ من 10 آلاف رجل. أمّا الجديد الحقيقي فهو توقّف مرور الشاحنات، والتدقيق بالبنزين الذي تنقله السيّارات الكولومبيّة، وما عدا ذلك، كلّ شيء طبيعي: الرحلات الجويّة والبريّة، مع أن الركاب يقلّون.
المشكلة التي تشغل سكان الحدود وبورصات هذه الدول هو التبادل التجاري وقيمته 8 مليارات من الدولارات بين الدول الثلاث. فمنذ خلافه مع أوريبي، بدأ تشافيز يعتمد سياسة استبدال الاستيراد من كولومبيا بمصادر أخرى، وأوّل من أمس، وقّعت الرئيسة الأرجنتينيّة، كريستينا فرنانديز، في فنزويلا اتفاق نفط في مقابل أغذية مع فنزويلا.
وبعد اجتماعه مع كوريا، الذي يقوم بجولة على الدول المحاذية لكولومبيا، قال تشافيز إنّه يفكر بـ«تأميم بعض الشركات الكولومبيّة، وبيع بعض استثماراتنا في كولومبيا»، فيما أجابته وزارة المال الكولومبيّة بأنّ بوغوتا تنتظر «تعويضات في حال اعتماد قرارات تأميم».
وماذا عن الحرب؟ الحرب الكولومبيّة شغالة كل يوم مثل آخر 40 عاماً. أمّا الحرب الإقليمية فإنها «بالانتظار... مثل غودو» في مسرحيّة سامويل بيكيت. لن تأتي لأنّ «المهمّة دفاعيّة» كما ردّد الضباط الفنزويليّون لدى وصولهم إلى الحدود، وكما عاد وأكّد تشافيز لنظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي، عندما قال: «نحن طلّاب سلام لا حرب، ولن نحيد عن طريق السلام الحقيقي».
ولن تأتي الحرب في الحقيقة، لأن أيّاً من الجيشين اللذين صُرفت عليهما أموال طائلة للتسلّح قادر على مغامرة كهذه؛ التسلّح الفنزويلي دفاعي تخوفاً من هجوم أميركي، والتسلّح الكولومبي، الذي تشرف عليه وتموّله الولايات المتحدة، هو لإيقاف الجيش على رجليه، وقد وقف وصار أداة مبادرة وضاربة في الحرب على الـ«فارك» لا أكثر.
وعلى هامش «مسرح» الحرب الإقليمية، مسرحيّة أخرى: دعا أوريبي لجنة من 4 قضاة لمراجعة الدعوى التي قدّمتها كولومبيا أمام محكمة لاهاي ضد تشافيز بصفته «عراباً وممولاً للإبادة»، فيما تهكّم الأخير واقترح على غريمه الكولومبي «الذهاب معاً إلى المحكمة وانتظار حكمها لمعرفة من بيننا مرتكب عدد أكبر من الإبادات الجماعيّة».