strong>أرنست خوريفي زمن العولمة، والنقاش عن زوال السيادة والحدود والهويّات القوميّة، لا تزال بعض الدول تعاني مشاكل من النوع الوطني والقومي الصرف. تضارب المصالح يأخذ طابع التنازع على الثروات الطبيعيّة حيناً، والتصارع على ملكيّة أراضٍ حدوديّة تارة أخرى. لكن، في القرن الواحد والعشرين، أن تقوم الخلافات بين دولتين أوروبيّتين على نزاع تاريخي بحت، فهو من الظواهر الغريبة في العلاقات البينيّة.
اليونان ومقدونيا دولتان جارتان منذ انفراط عقد يوغوسلافيا وتجزئتها إلى خمس دول (الآن أصبحوا سبعة). ورغم أنّ اليونان هي الشريك التجاري الأوّل لمقدونيا منذ 17 عاماً، إلا أنّ أزمة كبيرة تواجه علاقاتهما، وصلت إلى حدّ تلويح أثينا منذ يومين باستعمال حقّها بوضع فيتو على دخول مقدونيا إلى حلف شمالي الأطلسي.
المشكلة قد تبدو هامشيّة، لكنّها تحول حتى الآن دون قبول أثينا بالاعتراف باسم الدولة الجارة. «مقدونيا» اتّخذت اسمها نسبة إلى الإسكندر المقدوني الذي تعدّه اليونان جزءاً من إرثها التاريخي، وترى في سلوك جارتها باتّخاذ اسمه رمزاً لدولتها «تعدّياً ثقافيّاً» عليها. ورغم أنّ 120 دولة اليوم تعترف بـ«الجمهوريّة المقدونيّة»، فإنّ اليونان تعترف بهذه الدولة تحت اسم «أريم» (arim بالفرنسيّة وfyrom بالإنكليزية). واليونان تضع شرطاً لا تراجع عنه لكي تقبل بدخول مقدونيا إلى حلف الأطلسي: تغيير اسمها! الأزمة الدبلوماسيّة ازدادت حدّة في اليومين الماضيين. فالعاصمة الرومانيّة بوخارست، ستستضيف في الثاني من نيسان المقبل، اجتماعاً موسّعاً لوزراء خارجيّة الحلف الأطلسي. وعلى جدول الأعمال، قبول عضويّة مقدونيا وكرواتيا وألبانيا. وأمام خطر الفيتو اليوناني، اضطرّ الأمين العام للحلف، ياب دي هوب شيفر، إلى القدوم شخصيّاً إلى أثينا لمحاولة تلافي تعطيل القرار.
وبالنسبة إلى وزير الخارجيّة اليوناني، يوانيس فاليناكيس، فإنّ «لحظة الحقيقة بشأن الاسم غير الشرعي لهذه الدولة أتى اليوم». وفي حديث له مع صحيفة «لو فيغارو» الفرنسيّة أوّل من أمس، تخطّى التهديد الموجَّه لجارته المقدونيّة بمنعها دخول الحلف الأطلسي، ليصل إلى حدّ التلويح بمنعها من «دخول الاتحاد الأوروبي، لأنّ على سكوبي أن تفهم أنّ العلاقات الثقافيّة والتاريخية بين دول الاتحاد يجب أن تقوم على مبدأ حسن الجوار».
وأصْل المشكلة التاريخيّة، هي أنّ اليونان ترى أنّ فيليب الثاني وابنه الإسكندر وُلدا ودُفنا في منطقة قريبة من تسالونيكي، (عاصمة منطقة «مقدونيا التاريخيّة» وهي مدينة تقع اليوم في اليونان)، ولم تصل سيطرتهما إلى الأراضي التي تكوِّن اليوم دولة مقدونيا. وبالتالي، فإنّ أثينا ترى أنّ المقدونيّين «يسرقون» مجد «مقدونيا التاريخيّة» ويجيّرونه لصالحهم من خلال إطلاق اسم «مقدونيا» على دولتهم الصغيرة، وهو ما يصفه المؤرّخون اليونانيّون بأنه «إعادة كتابة مزوّرة للتاريخ». ويستدلّ هؤلاء بالإشارة إلى الخرائط التي تُوَزَّع في مقدونيا اليوم، والتي ترسم حدود دولتهم وهي تضمّ أراضي تسالونيكي. وأكثر ما يغيظ اليونانيّين حاليّاً، أنّ المقدونيّين زادوا «التحدّي»، وشيّدوا تمثالاً للإسكندر الكبير على الحدود اليونانيّة ـ المقدونيّة، ليستقبل الداخل إلى بلادهم.