strong>اليسار ينتظر تكريس الانتصار في الدورة الثانية... وسباق على أصوات «الوسط»
باريس ـ بسّام الطيارة

لم يحجز الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مطعم الفوكيت الفاخر على الشانزيليزيه كما حدث عشية انتصاره في انتخابات الرئاسة. ويتفق معظم المراقبين على أن سيّد الإليزيه هو «المستهدف بالتصويت السلبي» ضدّ اليمين في الانتخابات البلدية أول من أمس، التي قلبت معايير القوى السياسية داخل هذا اليمين، الذي بات «يشكو ضعف» زعيمه وحامل لوائه، وأظهرت بما لا يقبل الشك أن الناخب الفرنسي يبتعد عن الرئيس الذي اختاره منذ أقل من سنة.
خسر اليمين (٤٠ في المئة)، لكن لم يربح اليسار (٤٧,٥ في المئة)، أو أن اليسار لم يحقق «هذا الانتصار الباهر والساحق» كما كانت تشير إليه استطلاعات الرأي، التي توقعت «موجة زهرية اللون». أسباب كثيرة وراء تردد الناخب في إعطاء اليسار «انتصاراً صريحاً» يأتي في طليعتها «تشرذم هذا اليسار» وغياب زعمائه عن صورة المعركة، إذا استثنينا سيغولين رويال المرشحة السابقة لرئاسة الجمهورية في وجه ساركوزي.
أما السبب الثاني، فهو الإقبال على التصويت الذي لم يتجاوز ٧٠ في المئة بخلاف انتخابات الرئاسة التي تجاوز الإقبال عليها ٨٦ في المئة. ويرى بعض الخبراء أن عدداً من ناخبي اليمين، الذين كانوا قد أمّنوا لساركوزي نجاحه في الانتخابات الرئاسية، دخلهم الشك في صدقية فريق عمل هذا الأخير، وفضلوا البقاء في المنزل والعزوف عن الانتخاب، بانتظار اتخاذ موقف في الدورة الثانية.
ويتفق بعض المحللين على أن هذا القسم «المؤثر» من الأصوات، الذي يمكن أن يؤدي دوراً مهماً قي الدورة الثانية، قد يتوجه إلى حزب الوسط الذي يرأسه فرانسوا بايرو، والذي لم يحصد إلا ٤,٥ في المئة على الصعيد الوطني. ويفسر هذا «نداء» سيغولين رويال للوسط، إذ صرحت مباشرة بعدما ركبت موجة انحسار اليمين «إن الدورة الأولى مثّلت تصويتاً جزائياً يعاقب الفريق الحاكم» وطالبت بـ«تحالف مع الوسط في كل المناطق».
وقد انطلقت استطلاعات الرأي مباشرة بعد إعلان النتائج الأولية لاستعراض احتمالات التحالفات في الدورة الثانية، فأكدت نسبة كبيرة من المواطنين (٤٥ في المئة) رغبتها بأن يتحالف الوسط مع اليسار، مقابل ٣٣ في المئة ناشدته مد يده لليمين المتعثر. وأعلن ٤٢ في المئة رغبتهم بأن يكون رئيس بلديتهم المقبل من اليسار مقابل فقط ٣١ في المئة لليمين، و١٢ في المئة للوسط.
إلا أن هذه الانتخابات لحظت «عودة ليسار اليسار» ليأخذ مكان الحزب الشيوعي المتراجعة قواه، إذ سجل «التجمع الشيوعي الثوري» الذي يتزعمه الشاب بوزانسونو، ساعي البريد الذي أبرزته الانتخابات الرئاسية الماضية، ٢ في المئة على الصعيد الوطني تمكنه من إرسال عدداً من مؤيديه إلى مجالس البلديات في عدد لا بأس به من المدن، حيث سجل في بعض الأحيان ما يزيد على ١١ في المئة.
أجمعت كل التعليقات على أن أساس «خسارة اليمين» كان ساركوزي ونمط حكمه منذ وصوله إلى الإليزيه، رغم اعتراف البعض بأن الانتخابات البلدية «تمثِّل حيزاً خاصاً بإدارة شؤون المواطنين» بعيداً عن السياسة الوطنية، إلا أنه لا يمكن تجاهل أن هذه النتيجة «تنبيه موجه إلى ساركوزي» وإشارة إلى رجال حزبه «تجمع الأكثرية الشعبية» لاستعادة دورهم الذي سحقه احتلاله للواجهة الإعلامية ولمواقع القرار ودفعه بالوزراء لأداء دور «كومبارس» أو شهود زور.
ومن هنا يتوقع البعض أن تمثِّل هذه النتائج، وخصوصاً إذا ثبتتها الدورة الثانية، بداية «انتفاضة» داخل الأكثرية للعودة إلى «نمط حكم أقل تفرداً» وإبعاد «العوامل الشخصية» عن صفحات الإعلام والالتفات إلى مطالب الطبقات المتوسطة التي تمثِّل قاعدة اليمين الفرنسي المعتدل، الذي صُدم من استعجال ساركوزي بتقديم «هدايا» للأغنياء عبر تخفيف «الدرع الضرائبية» عنهم، وخصوصاً في ظل تراجع القدرة الشرائية للفرنسي العادي وعودة مؤشرات البطالة للارتفاع.
وقد تزداد في ظروف الهزيمة «شهية بعض رفاق ساركوزي» في الحزب الحاكم، الذين استبعدوا من أجل تطبيق سياسة الانفتاح مثل مؤيدي رئيس الوزراء السابق دومينيك دوفيلبان أو الشيراكي ألان جوبيه، الذي سجل «الانتصار الباهر الوحيد» لليمين بالفوز في بوردو المدينة الرابعة بالحجم من الدورة الأولى بـ ٥٥ في المئة من أصوات الناخبين، وهو ما يرى فيه البعض تحضيراً لعودة محتملة إلى الحلبة السياسية في المعارضة داخل اليمين.