برلين ــ غسان أبو حمدتكشف مجلّة «دير شبيغل» هذا الأسبوع عن مسلسل الوقائع الزمني وسلسلة الأكاذيب التي أدّت إلى احتلال العراق تحت ذريعة «إنقاذ الإنسانيّة من أسلحة الدمار الشامل» وإقامة معسكرات تدريب لتنظيم «القاعدة»، وتبيّن لاحقا أنّها ذريعة كاذبة. وتشير المجلة إلى أن جزءاً من الأكاذيب «يستند إلى معلومات مغلوطة سرّبتها الاستخبارات الألمانيّة إلى نظيرتها الأميركيّة». وتذكر المجلّة بخطاب وزير الخارجيّة الأميركي، كولن باول، في شباط عام 2003، على منبر الأمم المتحدة، الذي رفع خلاله أنبوباً زجاجيّاً صغيراً يحوي مادة بيضاء أمام عدسات التصوير قائلاً إنّ «بغداد تخالف قرارات الأمم المتحدة وتبني مختبرات ذرية وجرثومية كافية لتدمير العالم. صدّام حسين يمتلك 25 ألف ليتر من هذه المادة الجرثومية».
كانت تلك معلومة يرقى إليها الكثير من الشكّ، وانفضحت على أرض الواقع. هذا ما يؤكّده رئيس اللجنة الأميركية للتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل، دايفيد كاي، في حواره مع المجلّة، بعد 5 سنوات من الغزو الأميركي للعراق.
وأشار كاي إلى أن هذه الفضائح دفعته إلى الاستقالة، كاشفاً عن مجموعة من الرسائل الإلكترونية وجّهها أثناء مهمته إلى القيادة الأميركيّة، مؤكداً عدم عثور لجنة التفتيش على مختبرات لتخصيب السموم في العراق. وكان يأتيه الردّ دائماً: «تابع البحث. ربما تجد».
ويقول كاي إنّ جهاز الاستخبارات الألماني «بي أن دي»، هو الذي سرّب إلى جهاز الاستخبارات الأميركي، «سي آي أي»، معلومات مغلوطة وكاذبة عن مختبرات السموم والإبادة الجماعيّة في عهد الرئيس الراحل صدّام حسين. ووجّه إلى الجهاز تهمة «الكذب وقلّة الخبرة وانعدام المسؤولية»، كاشفاً عن أنّ الاستخبارات الألمانية رفضت الإفصاح في حينه عن مصدر معلوماتها أو السماح للأميركيّين، قبل وقوع الحرب، بمقابلة وجاهيّة مع العميل مصدر الخبر، حرصاً على سلامته (لكونه عراقياً) ومكتفية بالتأكيد تكراراً أن المعلومات «دقيقة».
ويشير كاي إلى أنّ التبرير الذي أعطته الاستخبارات الألمانيّة لرفضها السماح للأميركيين بمقابلة العميل، المسمّى «كورفي بال»، كان سخيفاً. فقد كانت الحجّة أنّ الأخير يكره الأميركيين وهم يحرصون على عدم فقدان الثقة معه. وهذا الأمر غير منطقي، أوّلاً، لأنّ الـ«سي آي أي» لديها من يتكلّم اللغة الألمانيّة بطلاقة. وثانياً، لأنّ لجنة التفتيش تمكنت من معرفة اسمه الحقيقي وزارت عائلته في بغداد.
وفي هذا الصدد يقول كاي، «أخبرتنا والدته أنّ ابنها رافد كان يفكّر ويسعى للهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركيّة وشاهدنا بأمّ العين غرفة نومه، وعلى جدرانها ملصقات المغنّين والنجوم الأميركيّين. كانت الاستخبارات الألمانيّة ترى أن معلومات هذا المصدر التافه، مهمّة جداً».
ولكن في المقابل، هل كانت الولايات المتحدة ستمتنع عن شنّ حربها على العراق إذا تبيّن كذب العميل؟ يقول كاي إنّ «الحكومة الأميركيّة قد لا تتراجع عن قرار الحرب، لكنّها بحاجة إلى تأييد الكونغرس، وفي اعتقادي أنّ الموافقة ستكون مختلفة إذا تبيّن للنوّاب كذب العميل».