شهيرة سلوميرجع سبب فشل الخطة الأميركية بإنشاء تحالفات مع المعتدلين في المناطق القبلية إلى ما يجري في أفغانستان والعراقوجود الجناح المتطرّف داخل الجماعات الإسلامية ليس بالأمر الحديث، بل غالباً ما كان بارزاً داخل هذه، إلّا أنّ ما يميز «المتطرّفين الجدد» هو أنّهم ينتمون إلى جيل «انتحاري» غير متديّن، هو وليد حروب عصر العولمة بريادة أمراء العالم الجدد.
حاول عالم الاجتماع ضابط الاستخبارات الأميركي السابق، مارك سايج مان، الذي عمل في أفغانستان أن يتعرّف إلى هذا الجيل الجديد بعدما راقب ودرس مجموعة من المسلّحين الذين قاتلوا مع حركة «طالبان» في المناطق القبلية المحاذية لأفغانستان، وأصدر الشهر الماضي كتاباً بعنوان «جهاد بلا قائد: شبكات الإرهاب في القرن الواحد والعشرين».
يرى سايج مان، الحائز إجازة في علم النفس، أن تنظيم «القاعدة» هو نتيجة ثلاث موجات: «الأولى تكوّنت من الحرس القديم، الذي حارب الاتحاد السوفياتي في أفغانستان وأسس مع زعيمه أسامة بن لادن نواة التنظيم في الثمانينيات. الموجة الثانية تكوّنت من الذين انضموا إلى «القاعدة» في التسعينيات وتدرّبوا في مخيماته في أفغانستان، وفي هذه الفترة كانت مركزية «القاعدة» طاغية وتوجّه عملياتها حول العالم بشكل مباشر».
ويقول الكاتب عن هؤلاء إنّهم «قلّة ويمثِّلون خطراً ينبغي قتلهم، إلا أنّهم لا يمثِّلون تهديداً وجودياً لواشنطن»، على عكس ما تقوم به إدارة البيت الأبيض بتعظيم «تهديدهم الإرهابي».
الموجة الثالثة، من جيل المتطرّفين انضم إلى «القاعدة» بدءاً من عام 2001 بعد إسقاط نظام «طالبان» في أفغانستان وبعد الاجتياح الأميركي للعراق عام 2003، ليصبح التنظيم معها أخطر من ذي مضى، بعدما أسس حركة اجتماعية واسعة الانتشار في العالم أجمع ومرتبطة في القيادة المركزية الموجودة على الحدود الأفغانية الباكستانية، تمكّنت من خلال شبكات الاتصال العالمية من التواصل مع عناصرها لشنّ عملياتها.
هؤلاء «المحاربون من أجل الإسلام» هم بنظر مناصريهم «أبطال، يحاربون من أجل العدالة والإنصاف» لرفع الغبن عن مجتمعاتهم. ويرى سايج مان في كتابه أن عملية تأصيلهم تعتمد على «حس الإهانة الأخلاقية» للفرد تدفعه للتجاوب مع معاناة إخوانه في الدين الإسلامي حول العالم، وكيف يمكنه أن يفسر هذه الإهانة ضمن سياق الحرب الكبرى على الإسلام قبل نقلها إلى المرحلة التالية، مرحلة العنف الأصولي من خلال تأليف الخلايا الإرهابية.
هذه الموجة النامية باطِّراد هي عبارة عن «فوضى بلا قيادات» مكوّنة من آلاف ممن سمّاهم «إرهابيين يتوقون إلى التغيير»، وبعكس الموجتين الأوليين، اللتين يعدّ رجالهما من المتعلمين والمتدينين، الموجة الثالثة هي «مخلوقات غريبة تنتمي إلى ثقافة الإنترنت» مستاءة من صور قتل القوات الأميركية للعراقيين، تجتمع في غرف «الدردشة» ويشجع بعضها البعض الآخر على أخذ المبادرة. وشأنهم كما بقية العناصر الشابة يشعرون بالملل ويبحثون عن الإثارة.
وخلال تقديم كتابه منذ أسبوعين في «مؤسسة أميركا الجديدة»، قال سايج مان: «هي مسألة بطولة أكثر منها دينية»، فغالبية أفراد هذه الموجة لا يتحدّثون العربية أو حتى يقرأون القرآن (فقط 13 في المئة من العينة التي قام بدراستها ذهبت إلى مدارس دينية أصولية)، ينضمون إلى التنظيم لأنهم يعرفون، أو على صلة قربى بأحد المنضوين، وغالبيتهم صغار السن دون العشرين. وتابع قائلاً: إنهم «أطفال ساخطون انتحاريون أقرب إلى أفراد عصابة متحضّرة منهم إلى مجموعة إسلامية متعصّبة».
ويلوم سايج مان الولايات المتحدة على جعل الإرهاب أسوأ من خلال عملياتها في العراق منذ 2003. ويقول: «الحرب العراقية عبّأت دون أدنى شك عملية التجذّر في العالم، وداخل الولايات المتحدة»، وكأنها صبّت الزيت على النار.
وفي التعامل معها، يقول إن هذه الموجة الثالثة «تضع حدودها بنفسها»، فعندما تجتمع هذه المجموعات، التي وصفها بأنها «بلا ملامح» وتتدرّب، تدفع نفسها إلى الراحة، كما هو تهديد «القاعدة». ورجّح أن يختفي الإرهاب الإسلامي لأسباب داخلية، إذا ما تركت الولايات المتحدة الأمور تأخذ مجراها الطبيعي.
وينصح سايج مان بعدم إعطائهم الحجم الزائد وتسليط الأضواء عليهم، وخفض القوات في العراق لأنها تحمل المسلمين على الحقد على الغرب، «هؤلاء القياديون الجهاديون الجدد هم بالكاد مسلمون»، كما يقول.
ويتابع الكاتب أن شنّ العمليات العسكرية على «الإرهابيين» ينبغي أن تكون سريعة ودقيقة، و«حس الإهانة الأخلاقية» عند المسلمين يمكن تقليصه من خلال العمل على حل النزاعات المحلية التي تتذرع فيها «القاعدة» وتسلّط الضوء عليها لكونها غير عادلة وموجّهة إلى العالم الإسلامي.
تأثُّر هؤلاء المحاربين الجدد بما يجري في العراق وأفغانستان وفلسطين أمر يشير إليه أيضاً المدير السابق للاستخبارات الأميركية هنري هانك كرامبتون، الذي أشرف على الحملة المشتركة للاستخبارات الأميركية والأفغانية لملاحقة «طالبان» بعد أحداث 11 أيلول. ويرجع سبب فشل «الخطة الأميركية التي تقضي بإنشاء تحالفات مع المعتدلين في المناطق القبلية على الحدود الأفغانية الباكستانية لملاحقة زعامات القاعدة» إلى تأثر هؤلاء بما يجري في أفغانستان وما ينجزه قائد قوات الاحتلال دايفيد بترايوس في العراق.


«طالبان» ترحّب بدعوة جيلاني للحوار
رحّبت «طالبان» باكستان بدعوة رئيس الحكومة الباكستانية يوسف جيلاني إلى الحوار التي أطلقها بعدما حصل على ثقة الجمعية الوطنية أوّل من أمس، شرط انتهاج حكومته استراتيجية فك ارتباط فوري مع واشنطن.
وقال المتحدث باسم الحركة مولوي عمر «نرحب بالدعوة التي وجهتها الحكومة الفدرالية لإطلاق مباحثات مع حركة «طالبان» لتحسين الأوضاع الأمنية في البلاد»، وأضاف «إلاّ أنّه ينبغي عليها التوقّف فوراً عن الدفاع عن المصالح الأميركية التي لا تصب في مصلحة باكستان شعباً وحكومة». كما رحّب عمر بإعلان جيلاني إلغاء القانون الجنائي الخاص بالمناطق القبلية، وطلب استبداله بالشريعة الإسلامية.
من جهته، قال الزعيم الطالباني المسلّح فاكر محمد، صاحب العلاقات الوثيقة مع الرجل الثاني لتنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، مخاطباً أكثر من أربعة آلاف من مناصريه في منطقة باجور القبلية إنّ رجاله ليسوا أعداءً لباكستان. وشدّد على أنّ «حربنا مع الأميركيين». وأضاف «نرحّب بدعوة الحكومة للحوار مع «طالبان»».
وطلب محمد من الحكومة أن لا تتعاون مع الإدارة الأميركية. وقال «متى تعاونت الحكومة الباكستانية مع المصالح الأميركية باعتبارها حليفتها، فسنعارض الأمر»، فهتفت الحشود «الموت لأميركا».
في هذا السياق، أكّد الزعيم الديني الموالي لـ«طالبان» والشريك في حكومة الائتلاف مولانا فضل الرحمن أنّ الإدارة الجديدة ستحاول أن تمنع الجيش الأميركي من شنّ هجمات عسكرية داخل الأراضي الباكستانية.
(أ ب، أ ف ب)