باريس ـ بسّام الطيارةإلا أن كل المؤشِّرات الاقتصادية، تشير إلى أن المعطيات الهيكلية للاقتصاد الفرنسي إلى جانب الأزمة المالية العالمية وارتفاع اليورو، فضلاً عن كمٍّ من العقبات، تجعل الأمل بتحقيق أيٍّ من وعود ساركوزي ضرباً من ضروب الخيال. وهو ما بدأ يهمسه بعض الوزراء بانتظار أن يعلنه ساركوزي نفسه، ما يمكن أن يزيد في تراجع شعبيته، إن كان ذلك ممكناً، بعدما ضربت أرقاماً قياسية في التراجع.
لقد أراد ساركوزي، خلال زيارته الرسمية إلى بريطانيا، أن «يُظهر لمواطنيه أنه تغيَّر»، فلم يبرز ساعة يده، ولم يستعمل هاتفه الجوال خلال لقائه الملكة إليزابيث الثانية، كما فعل في حضرة الملك عبد الله في السعودية، ولم يربت بيده ظهر الملكة إليزابيت كما يفعل عادة مع الرؤساء والملوك، ولم يُمسك يد كارلا بروني «إلا مرة واحدة»، وهو ما يحظّره البروتوكول الملكي البريطاني، إضافة إلى تلقّيه دروساً مكثّفة في اللغة الإنكليزية، وذلك قبل أن يعرف أن من المستحسن عدم مخاطبة إليزابيت الثانية خلال وجودهما منفردين في العربة الملكية، فالتفت نحو الجماهير ملوِّحاً بيديه الاثنتين، وهو ما يمنعه البروتوكول، ما سبّب امتعاض الملكة.
رغم هذا، رأى ساركوزي أنه «نجح في امتحانه الإنكليزي»، إلا أن الصحف الفرنسية وضعت إكليل غار النجاح على رأس مدام ساركوزي، وتناست النتائج السياسية لزيارة الرئيس، وشدَّدت على أناقة الفرنسية الأولى ونجاحها في امتحانها الرسمي الأول.
وفي الوقت الذي يبحث فيه ساركوزي عن «زاوية هجوم» لتحسين صورته، طالعته الصحف بـ«خبر قضائي» هو أبعد ما يمكن أن يكون بحاجة له. فقد ظهرت رسالة موقعة منه حين كان رئيس منطقة السين العليا (هوت سين) في دعوى اختلاس أموال عامة في ملف قضية هامون الشهيرة.
ويعود الأمر إلى عام ٢٠٠٠، حين تبرّع الثري جان هامون بمجموعة لوحات فنية قُدِّر ثمنُها في حينه بما يعادل ٧,٥ ملايين يورو لمصلحة المنطقة، فأُنشئت إدارة لاستثمار العطاء. وقد دفع أحد المحامين برسالة موقّعة من ساركوزي يسمح فيها بالتصرف ببعض الأموال. وكان ديوان المحاسبة قد لاحظ بعض «التلاعبات» في ميزانية الإدارة المنشأة سببت بفقدان ما يزيد على ٣,٨ ملايين يورو لأعمال هندسة لم تُنفذ بتاتاً. وفُتح تحقيق بالأمر أدى إلى توجيه اتهامات إلى بعض «كبار سياسيي منطقة السين» التي تُعَدُّ معقل الساركوزية، وبينهم وزير الداخلية السابق «عراب ساركوزي» شارل باسكوا ورئيس المنطقة قبل أن يتسلمها هذا الأخير عام ٢٠٠٤، إلى جانب أحد وزرائه الحاليين، أندريه سانتين سكرتير الدولة للخدمة المدنية، إضافة إلى الثريّ جان هامون. ويطالب محامي الدفاع بتوسيع التحقيق ليشمل «فترة توقيع الرسالة من ساركوزي»، والاستماع إلى وزيرة العدل الحالية رشيدة داتي التي كانت آنذاك مديرة مساعدة في مجلس المنطقة تحت يد ساركوزي.
ورغم أن وجود الرسالة لا يعني وجود أي إثبات على أن عمليات الاختلاس قد استمرت بعد انتقال رئاسة المنطقة من باسكوا إلى ساركوزي أو أن هذا الأخير كان على اطلاع عما يجري، إلا أن إقحام اسم قاطن الإليزيه في قضايا جزائية يُذكّر بما حصل مع جاك شيراك. ورغم الحصانة الرئاسية التي تحمي ساركوزي إذا ثبت ما يدينه في هذا الملف، إلا أنه كان في غنى عن هذا الأمر الذي يُذكِّر بالمثل الهندي: «إن الأخبار السيئة تأتي زرافات زرافات».