حسن شقراني
كشفت وزارة الدفاع الأميركيّة أوّل الأسبوع الجاري عن أنّ العمليّات العسكريّة في العراق وأفغانستان (من دون تكلفة الغذاء واللباس والمتطلّبات البيروقراطيّة الأخرى) تكلّف 12 مليار دولار شهرياً، منها 9.2 مليارات دولار للبلد الأوّل. ولهذا فإنّ البيت الأبيض طلب من الكونغرس 70 مليار دولار إضافيةّ من أجل الحربين.
الإنفاق الحربي مسألة مهمّة لأيّ اقتصاد يعاني صدأً (مرحلياً أو حتّى نوعياً) في عجلته، وهو ما افترضه الاقتصاديّون منذ أيّام «ثروة الأمم» ودعوات آدم سميث. لكن عندما يصبح هذا الإنفاق طفيلياً، بمعنى أنّه لا يحقّق النتيجة المطلوبة منه ـــــ «السلام في العراق!» (على سبيل المثال) ـــــ تصبح التساؤلات واجبة.
وفي هذا السياق، أعدّ الاقتصاديّان البارزان جوزيف ستيغليتز وليندا بيرمز، دراسة بعنوان «حرب الـ3 تريليون دولار» (تنشر الشهر المقبل)، بعدما كانا قد تعرّضا لانتقادات كثيرة لتوقّعاتهما بأنّ تكلفة حرب العراق ستقارب 2 تريليون دولار. وهي دراسة قد تفضي إلى خلاصات جوهريّة تفيد في دراسة كيف أنّ الاقتصاد الأميركي المبارك بنعمة الإنفاق الحربي يعاني حالياً خطر الكساد (الجواب الأوّلي هو أنّ مستنقع القطاع المنزلي، إضافة إلى الأسعار المرتفعة للنفط هما العامل الأساسي، من دون الخوض في إيجابيّات أساسيّات النظام).
هذا الإنفاق هو على صعيد الحروب الخارجيّة (للمناسبة العراق وأفغانستان ليسا الميدانين الوحيدين). فماذا عن تمويل الحروب الداخليّة... الانتخابات الرئاسيّة؟
الانتصارات التي حقّقها في تمهيديّات الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركيّة، في ولايات ساوث كارولاينا وفلوريدا ونيو هامشير، أعادت السيناتور عن ولاية أريزونا، جون ماكاين شاباً من جديد، بنظر الأميركيّين بشكل عام وبنظر الجمهوريّين على وجه التحديد.
غير أنّ هذا السياسي السبعيني عانى كثيراً على صعيد تمويل حملته الانتخابيّة، التي تعدّ أساسيّة في التأثير في الرأي العام في «أميركا ـــــ اللوحات الإعلاميّة البرّاقة سياسياً». ففي تشرين الثاني الماضي، وصلت تلك الحملة إلى حافّة الإفلاس، واضطرّ السجين السابق في أدغال فييتنام، إلى الاقتراض المصرفي، وحصل على 3 ملايين دولار في مقابل تأمين خاصّ على حياته، إذا لم يكمل السباق حيّاً.
أمّا الآن فهو على السكّة من جديد، إذ جمعت حملته خلال الشهر الماضي فقط، 7 ملايين دولار على الأقلّ. وفي الأيّام الأخيرة تكارمت يد الخير الجمهوريّة كثيراً عليه في واشنطن وفلوريدا وكاليفورنيا، بعدما كانت نيويورك قد منحته مليون دولار في حفل جمع تبرّعات واحد.
أمام هذا الإنفاق الأميركي على الحروب وعلى تعبيد الطريق أمام من يُكمل هذه الحروب، تجدر الإضاءة على «زوبعة ماليّة»، ليست جديدة، لكن التطوّرات الاقتصاديّة الدوليّة تعيدها إلى الساحة: صناديق الثروة السياديّة. فهذه المحافظ الماليّة الضخمة، (التابعة لحكومات دول نامية ذات فوائض ماليّة) التي تمثّل نحو 2 في المئة من مجمل السندات الماليّة التجاريّة حول العالم، البالغة 165 تريليون دولار، تتضخّم باطّراد (يُتوقّع أن تصبح قيمتها عام 2015، 12 تريليون دولار)، وتثير قلق العديد من حكومات العالم المتقدّم، وفي هذه الحالة، كثيرين من الشيوخ والنوّاب الأميركيّين. القلق منطقي، فبعض ما تستهدفه هذه الصناديق هو شركات المرافئ وشركات النفط وغير ذلك من قطاعات حيويّة واستراتيجيّة.
غرقت أميركا في وحول إنفاقها الحربي وفي متاهات الإنفاق على المنافسة السياسيّة الداخليّة، لدرجة أنّها نسيت أنّ أصولها تصادر: رغم كثافة المليارات، فإنّ النتيجة هي خسائر.