واشنطن ــ محمد سعيد
هكذا ينظر مرشحو الرئاسة لقضايا المنطقة

مع اقتراب استحقاق «الثلاثاء الكبير» غداً لمرشحي الحزبين الجمهوري والديموقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية، يجهد المتنافسون لكسب رضى الناخبين، الذين يعطون أصواتهم في العادة لبرامج الداخل وقضاياه وأزماته، التي تكاد تعصف بالمجتمع الأميركي، ولا سيما الاقتصاد الذي يهيمن على الحملات الانتخابية، إضافة إلى قضايا الهجرة غير الشرعية وضرورة إصلاح قوانينها، وقضايا الإجهاض، وحقوق المثليين، والرعاية الصحية والضرائب. غير أن التركيز على الداخل لا يمنع من أن يكون للخارج حصته من مواقف وبرامج المرشحين، بدايةً من القضية العراقية والإخفاق الأميركي وكيفية التعامل مع المشهد الإيراني والصراع العربي الإسرائيلي، وكيفية استعادة مكانة الولايات المتحدة دولياً مرة ثانية وغيرها من القضايا. وإذا كانت قضايا السياسة الخارجية يجري تناولها في خطابات يلقيها المتنافسون في ندوات أو مناظرات، فإن بلورة مثل هذه القضايا ستبقى رهن اختيار المؤتمر الحزبي العام لكل من الديموقراطيين والجمهوريين لمرشحَيهم لانتخابات الرئاسة الأميركية التي ستجري في الثالث من شهر تشرين الثاني المقبل، حيث سيُقَرُّ البرنامج الذي سيطر على الجمهور ويتضمن قضايا السياسات المحلية والخارجية. إلا أن مواقف المرشحين الرئيسيين لدى الحزبين الديموقراطي والجمهوري من القضايا الخارجية التي تضطلع فيها الولايات المتحدة مباشرة بدأت بالتبلور. وبدا واضحاً أن عضوي مجلس الشيوخ هيلاري كلينتون وباراك أوباما هما المتنافسان الوحيدان حالياً للفوز بترشيح الحزب الديموقراطي بعد انسحاب المرشّح السابق جون إدواردز، فيما يتصدر عضو مجلس الشيوخ جون ماكاين والحاكم السابق لولاية ماساشوسيتس، ميت رومني، قائمة الجمهوريين إلى جانب الحاكم السابق لولاية أركنساو، القس مايك هاكابي، بعدما أعلن عمدة نيويورك السابق رودولف جولياني انسحابه. «الأخبار» تنشر اليوم وغداً استعراضاً للمواقف المعلنة للمرشحين من القضايا الساخنة في منطقتنا العربية، ولا سيما عملية السلام في الشرق الأوسط والملف النووي الإيراني، إضافة إلى مصير الوجود الأميركي في العراق. والبداية مع المرشحين الديموقراطيين.




هيلاري كلينتون

هي هيلاري داين رودمان كلينتون، ولدت في 26 تشرين الأول عام 1947. عضو في مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك، التي تحظى فيها جماعات الضغط اليهودية والموالون لإسرائيل بنفوذ كبير. وقد سبق لإمبراطور الإعلام اليميني الموالي للدولة العبرية روبرت مردوخ أن رمى بثقله لتأييدها فور إعلانها ترشيح نفسها عام 2006، ما أصاب الديموقراطيين والجمهوريين على حد سواء بالصدمة، إذ يرَون أن هيلاري حصلت على دعم واحد من الأركان الرئيسية لما يسمى «مؤامرة الجناح اليميني المتشدد»، بحسب تسمية الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون نفسه.
وأثارت خطوة مردوخ غضب عدد من مؤيدي كلينتون، حيث كتب الصحافي المعروف في «واشنطن بوست»، ريتشارد كوين، مقالاً بعنوان «هيلاري، ساعدينا، من أنت بحق الجحيم؟». وأبدى صاحب أحد المواقع الليبرالية على شبكة الإنترنت، دافيد سيروتا، تذمره من هذه الخطوة، بقوله: «وقاحة هذا التحرك لا يمكن تحملها»، رغم أن صلة هيلاري ومردوخ ليست جديدة، إذ تزعمت صحيفة «نيويورك بوست» اليمينية، التي يملكها إمبراطور الإعلام، حملة الدعم لترشيح هيلاري لمجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك في عام 2000.

العراق واحتلاله ومستقبله

تعتقد غالبية الناخبين الأميركيين والديموقراطيين، بحسب استطلاعات الرأي، أن موضوع العراق هو قضية كبرى بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ويعتقدون أن الحرب كانت خاطئة ويجب الانسحاب الكامل من العراق. ورغم ذلك، صوتت هيلاري كلينتون عام 2002 لقرار منح الرئيس جورج بوش تفويض شنِّ عدوان عسكري على العراق واحتلاله بدعوى امتلاكه لأسلحة دمار شامل. غير أنها بدأت بالتراجع التدريجي عن موقفها، منتقدةً بشدّة أسلوب إدارة بوش في إدارة الحرب في بلاد الرافدين، داعيةً إلى انسحاب جزئي لقوات الاحتلال الأميركي.
ورغم الانتقادات الواسعة التي تواجهها اليوم بسبب تصويت عام 2002، تدافع هيلاري عن موقفها، إذ إنه «كان الموقف الوحيد المسؤول الذي يمكن اتخاذه في حينه بالنظر إلى خطورة المسألة كما قدمتها آنذاك إدارة بوش».
ورغم مطالبة مناهضي الحرب لهيلاري بالاعتذار عن دعمها للغزو، إلا أنها لم تفعل حتى اليوم، بل تتّهم إدارة بوش بخداع الكونغرس. وفي نيسان 2004، قالت كلينتون: «لست آسفة لإعطاء الرئيس سلطة شن حرب؛ لأنها كانت في إطار القضاء على أسلحة الدمار الشامل، وكانت هناك أخطار كبيرة تهدد الولايات المتحدة، وكان صدام حسين مشكلة للأسرة الدولية منذ أكثر من عقد».
ودانت مطالبة العضو الديموقراطي في مجلس النواب الأميركي جون مورثا في تشرين الثاني 2005 بسحب كامل القوات الأميركية من العراق، قائلة إن سحب القوات هو «خطأ كبير». وعندما رعى السيناتور الديموقراطي جون كيري في عام 2006 تعديلاً يتطلب إعادة نشر القوات الأميركية من العراق من أجل تسريع حل سياسي للحرب المذهبية في هذا البلد، صوتت كلينتون ضده.
ورؤيتها للتعاطي مع الوضع الأميركي في العراق تتمحور حول بداية انسحاب مرحلي للجنود في غضون 60 يوماً من توليها رئاسة البلاد، بهدف إعادة غالبية القوات بحلول نهاية عام 2009 وأن تترك قوة أميركية دائمة في العراق لقتال «الجماعات الإرهابية»، وصد «الاعتداءات الإيرانية»، وحماية الأكراد، ودعم الجيش العراقي. وتشدّد على ضرورة سحب القوات بأسلوب مدروس ومنظم وحذر، إذ قالت: «إن محاولة الانسحاب ليس كأن تطقطق أصابعك وتقول للناس: افعلوا ذلك غداً. بل إنه أمر يجب أن يكون بأسلوب مدروس، ومنظم، وحذر يحمي قواتنا خلال هذه المسارات التي عليهم أن يسلكوها من أجل إخراج الجنود والعتاد من العراق».
ويرى محللون أن الفرق ضئيل بينها وبين الرئيس بوش في ما يتعلق بالحرب على العراق. وبالتالي فإن فوزها بترشيح الحزب الديموقراطي سيكون تكراراً لتجربة جون كيري الذي كان مؤيّداً للحرب على العراق ثم غير رأيه أثناء الحملة الانتخابية، وهو أمر استخدمته حملة بوش للتركيز على تغير مواقف كيري وانتهى الأمر بهزيمته أمام بوش في عام 2004.

الصراع العربي الإسرائيلي ولبنان

تنطلق هيلاري في رؤيتها لإسرائيل وأمنها من أنها «واحة الديموقراطية» في المنطقة، وتشارك واشنطن العديد من القيم الديموقراطية والحرية السياسية والاقتصادية، وكذلك حرية المرأة، إضافة إلى التقارب الأميركي ـــــ الإسرائيلي في قضية محاربة «الإرهاب».
ولهذا دعت هيلاري، التي زارت إسرائيل أكثر من مرة، الإدارة الأميركية إلى زيادة المعونات العسكرية للدولة العبرية، انطلاقاً من الالتزام الأميركي بالتفوق النوعي العسكري والتقني لإسرائيل في «منطقة غير مستقرة ومضطربة، فضلاً عن التهديد الإيراني وحزب الله اللذين لا يمثلان تهديداً لإسرائيل فقط، ولكن للأمن العالمي أيضاً». لذا ترى أن أمن إسرائيل وحريتها يجب أن يكونا في «صميم التحرك الأميركي في منطقة الشرق الأوسط».
وانطلاقاً من هذا الالتزام صوتت هيلاري بالموافقة على المعونات العسكرية لإسرائيل، التي تصل إلى 3 مليارات دولار من المساعدات العسكرية و40 مليون دولار لمساعدة تل أبيب لاستيعاب المهاجرين من الاتحاد السوفياتي السابق. ولكونها عضواً في اللجنة العسكرية التابعة لمجلس الشيوخ، دعمت التعاون العسكري والتقني بين الدولتين.
الدعم لم يقف عند هذا الحد، بل أيّدت بناء جدار الفصل العنصري تحت ادعاء أنه يمثل حماية لإسرائيل ممن تسميهم العناصر الإرهابية. وانتقدت قرارات محكمة العدل الدولية الرافضة له، كما عارضت نتائج الانتخابات الفلسطينية الأخيرة، وطالبت بتدخل الدول العربية لتأييد قيادة فلسطينية تساند عملية السلام القائمة على اتفاقات أوسلو بما يضمن الوصول إلى اتفاق نهائي.
وفي ما يتعلق بدور واشنطن في عملية السلام، قالت، في مقالة في مجلة «الشؤون الخارجية» لشهري تشرين الثاني وكانون الأول 2007، إن «المأزق الأميركي في العراق أثّر بالسلب على الدور الأميركي في عملية السلام».
كانت هيلاري تعلم، عندما قررت خوض انتخابات مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك، وهي أهم ولاية أميركية تاريخاً ونفوذاً، أن وجودها السياسي في نيويورك يبدأ من استيعاب اللوبي الصهيوني، وأن خوضها لانتخابات تلك الولاية سيضطرها إلى أن تعمل وتكرس معظم وقتها وجهدها وتفكيرها في خدمة إسرائيل.
فبعد إعلانها في أيار 1998 أنها تؤيد تأسيس دولة فلسطينية مستقلة مسؤولة عن تأمين العيش الكامل لكل مواطنيها، بدأت تغيّر لهجتها لمصلحة إسرائيل، وسرعان ما تخلت عن مبادئها وأعادت صياغة مواقفها المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي، سعياً لكسب ود اللوبي الإسرائيلي، الذي سخط من زيارتها إلى الضفة الغربية ولقائها سهى عرفات، زوجة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام 1998.
وفي إطار التغيير في مواقفها، أعلنت هيلاري تأييدها لاعتبار القدس المحتلة عاصمة أبدية لإسرائيل، كما طالبت بنقل السفارة الأميركية إلى هناك. وتعهدت أنها ستكرس جهودها داخل الكونغرس لتوحيد مدينة القدس لكي تصبح عاصمة أبدية لإسرائيل، كما تعهدت أنها ستجعل الكونغرس يتخذ قراراً بنقل السفارة من تل أبيب إلى هذه المدينة. وركزت على نقد مناهج التعليم الفلسطينية، بزعم أنها تنشر الكراهية، مطالبة بمراقبة خطاب «العداء للسامية» في أوساط الفلسطينيين ومكافحته. ولم تكتف بذلك، بل هدّدت بقطع المساعدات الأميركية عن الفلسطينيين إذا أعلنوا دولتهم المستقلة من دون إذن إسرائيل، وهو ما أمّن لها حضوراً دائماً ومهمّاً في مؤتمرات منظمة «إيباك»، أكبر منظمات اللوبي الإسرائيلي.
وخلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006، قالت هيلاري «إن إسرائيل محاطة بدول سلطوية وديكتاتورية، وإن إسرائيل دولة ذات سيادة، ومن حقها حماية أمنها بالهجوم على من يمثِّل تهديداً لأمنها القومي». وأضافت أنها «تدعم أي هجوم إسرائيلي على أعدائها وأي هجوم يعمل على الحفاظ على أمنها ومصالحها». وشاركت في تظاهرة لدعم إسرائيل. كما أعلنت دعمها للعدوان الذي تشنه إسرائيل على قطاع غزة، مشيرة إلى أنه مبرر لأنه «يبعث رسالة إلى حماس وحزب الله وإلى السوريين وإلى الإيرانيين، بسبب معارضتهم للولايات المتحدة والتزام إسرائيل الحياة والحرية».
وكانت هيلاري أحد رعاة قانون محاسبة سوريا، الذي يطالب دمشق، تحت طائلة فرض عقوبات عليها، بأن تصفي «أنظمة تسلحها الكيميائية والصاروخية».

الملف النووي الإيراني

ترى هيلاري إمكان الدخول مع إيران في مفاوضات دبلوماسية من دون شروط مسبقة في حال توليها رئاسة الولايات المتحدة، كما يمكن أن تلجأ إلى العقوبات الاقتصادية. وقالت، في كلمة في ولاية نيو هامشير في 10 تشرين الأول الماضي، «إنني سوف أُجري مفاوضات مع إيران، بلا شروط، لكن في وجود بعض الجزاءات التي يمكن أن نستخدمها في محاولة تأمين نفوذ لدفعهم في الاتجاه الذي نريد».
وفي مناظرة تلفزيونية جمعت الشخصيات البارزة في الحزب الديموقراطي في 26 أيلول 2007، أكدت هيلاري أنها ستفعل جميع ما في وسعها للحيلولة دون ظهور إيران قوةً نووية «بما في ذلك استخدام القنوات الدبلوماسية، واستخدام العقوبات الاقتصادية، وإجراء محادثات مباشرة».
وفي مناظرة أخرى ضمت المرشحين الديموقراطيين الثمانية في 24 تموز 2007، وردّاً على سؤال عن رغبتها في عقد لقاءات غير مشروطة مع زعماء كلٍّ من إيران وسوريا وفنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية، قالت كلينتون: «سأعتمد على العديد من المبعوثين من أعلى المستويات لاستكشاف الأجواء. لكن بالتأكيد، لن نجعل رئيسنا يلتقي فيدل كاسترو وهوغو تشافيز حتى نعرف بصورة جيدة كيف سيكون الطريق إلى الأمام».
ولا تستبعد هيلاري اللجوء إلى الخيار العسكري ضد إيران، حيث قالت في مجلس الشيوخ في 14 شباط 2007: «لا يمكننا، ولا ينبغي لنا، ويجب علينا ألاّ نسمح لإيران ببناء أو حيازة أسلحة نووية. وعند التعاطي مع هذا التهديد، لا يمكن استبعاد أي خيار. غير أنه يتعين على أميركا أن تتحرك بتؤدة وتعقل، كما يتعين علينا أن نتحرك كأمة موحدة. ولا يمكن ولا ينبغي اتخاذ أي تحرك من دون تفويض صريح من الكونغرس». وانتقدت المعلومات الاستخبارية حول طهران، مشيرة إلى أنه «لا يمكن الاعتماد على صحتها». وأضافت: «إننا في حاجة إلى بحث الحقائق عن كثب وبعناية».
ومن الواضح أن التناقض في بعض الأحيان يحكم موقف هيلاري من إيران. ففي تشرين الثاني 2007، شاركت مع 29 عضواً في مجلس الشيوخ في كتابة خطاب للرئيس بوش أعربوا فيه عن «قلقهم البالغ» من موقف الإدارة حيال إيران، مؤكدين له أنه ليس لديه أي تفويض من الكونغرس لشن حرب على إيران، رغم أنه سبق لها في عام 2006 اتهام إدارة بوش بأنها «تقلِّل من التهديد» الذي تمثله الجمهورية الإسلامية، مؤكدة ضرورة عدم استبعاد الخيار العسكري في التعامل معها.
وفي أيلول 2007، كانت هيلاري الوحيدة من بين المتنافسين الديموقراطيين الثمانية الأعضاء في مجلس الشيوخ التي صوتت لمشروع قرار قدمه السيناتور جوزف ليبرمان لمطالبة الحكومة بإعلان الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية. وهو القرار الذي وصفه زميلها العضو عن ولاية فرجينيا، جيم ويب، بأنه «يحقق أحلام (نائب الرئيس الأميركي) ديك تشيني بمهاجمة إيران عسكرياً».




باراك أوباما

ولد باراك حسين أوباما في شهر آب 1961 في ولاية هاواي لأب كيني مسلم، يقال إنه ينحدر من أصول يمنية، وأم أميركية بيضاء من ولاية كنساس. واسم باراك هو النطق السواحلي (اللغة الوطنية في كينيا) للكلمة العربية بارك. انفصل الزوجان عندما كان باراك في الثانية من عمره ليعود الأب إلى كينيا وتصبح الأم مسؤولة عن تربية الطفل. انتقل أوباما إلى جاكرتا صغيراً، بعدما تزوجت أمه من مهندس نفط أندونيسي، حيث ولدت أخته غير الشقيقة مايا. ويذكر الكاتب الروائي سكوت تورو، أحد أصدقاء أوباما، أنه «في تلك الفترة، انتظم لمدة سنتين في مدرسة إسلامية، ثم التحق بعد ذلك بمدرسة كاثوليكية». وعندما بلغ أوباما العاشرة من عمره، عاد إلى ولاية هاواي ليعيش حياة مرفهة مع جده وجدته لأمه، حيث التقى مجدّداً والده الكيني.
عانى أوباما في سنوات المراهقة من مسألة تنوّع أصوله العرقية وتحديد هويته الثقافية لدرجة تناوله لفترة وجيزة مخدر الماريجوانا والكوكايين. التحق بإحدى جامعات كاليفورنيا قبل أن ينتقل إلى جامعة كولومبيا الشهيرة في نيويورك، حيث تخرج منها عام 1983 بشهادة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، ليعمل بعدها في الإطار الاجتماعي ومساعدة الفقراء والمهمّشين. كما عمل كاتباً ومحللاً مالياً لمؤسسة «بزنس انترناشونال كوربوريشن».
انتقل أوباما للإقامة قي مدينة شيكاغو عام 1985، بعدما حصل على وظيفة مدير مشروع تأهيل وتنمية أحياء الفقراء. وفي تلك الفترة أيضاً سافر إلى كينيا لزيارة قبر والده عندما علم بوفاته في حادث سير.
في عام 1991، تخرّج باراك أوباما من كلية الحقوق في جامعة هارفارد. ودرّس القانون محاضراً في جامعة إلينوي في عام 1993. زواجه في 1992 كان أول خطوة فعلية دفعت به إلى معترك السياسة، عندما أصبح مديراً لمشروع التصويت في إلينوي، حيث ساعد 150 ألف شخص من الفقراء على تسجيل أسمائهم في سجلات الناخبين. وفي عام 1996، انتخب أوباما لمجلس شيوخ ولاية الينوي لينخرط بشكل رسمي في أنشطة الحزب الديموقراطي.
ولا يزال خطاب أوباما، الذي ألقاه في المؤتمر الانتخابي للحزب الديموقراطي في تموز 2004، عالقاً في أذهان الأميركيين ومبشّراً بميلاد سياسي بارع في استخدام الأسلوب الخطابي. وفي تشرين الثاني من العام نفسه فاز باراك أوباما، في انتخابات الكونغرس عن ولاية الينوي بنسبة 70 في المئة من إجمالي أصوات الناخبين، في مقابل 27 في المئة لمنافسه الجمهوري، ليصبح واحداً من أصغر أعضاء مجلس الشيوخ سناً. ومنذ تلك اللحظة، أخذ نجمه السياسي في الصعود، حيث ورد اسمه ضمن قائمة أكثر عشرين شخصية في العالم تأثيراً في تحقيق لمجلة «تايم» عام 2005، نظراً للنجاح السريع الذي حققه سياسياً في فترة قصيرة، ولتأثيره الكبير في أوساط الحزب الديموقراطي. وقبل نهاية العام نفسه، وضعته صحيفة «نيو ستاتسمان» ضمن قائمة عشرة أشخاص يمكن أن يحدثوا تغييراً في العالم.

حرب خرقاء

تتيح المقابلات والمناظرات والأنشطة السياسية التي شارك فيها باراك أوباما، إمكان رصد مواقفه تجاه قضايا المنطقة العربية، حيث عارض من البداية غزو العراق. وقال، في كلمة له في تشرين الأول 2002 أمام المجلس التشريعي لولاية إلينوي، «أعرف أن غزو العراق بلا أساس منطقي واضح، ومن دون دعم دولي قوي لن يؤدي إلا إلى إشعال الشرق الأوسط وتحفيز أسوأ الدوافع بدلاً من أفضلها في العالم العربي وتعزيز جناح التجنيد بتنظيم القاعدة. أنا لست معارضاً لجميع الحروب، أنا معارض للحروب الخرقاء».
كما عارض أوباما فكرة زيادة عدد القوات الأميركية في العراق. وقال، أمام مجلس الشيوخ في 30 كانون الثاني 2007، «عندما يأتي الأمر لقضية حرب العراق، فإن وقت الوعود والتأكيدات، ووقت الانتظار والصبر، قد مضى. فقد أُزهق العديد من الأرواح وأُنفق العديد من المليارات وصار من الصعب علينا الثقة في سياسة أخرى مجرّبة وفاشلة عارضها جنرالات عسكريون وخبراء وديموقراطيون وجمهوريون وأميركيون والعديد من العراقيين أنفسهم. إن الوقت قد آن لنا لتغيير سياستنا بصورة جذرية. إن الوقت قد آن لإعادة البلاد إلى العراقيين».
وأعرب أوباما عن رغبته بسحب لواء أو لواءين من قوات الاحتلال الأميركي في العراق شهرياً بحيث يتم إنهاء الانسحاب في غضون 16 شهراً، وإعادة نشر بعض القوات في أفغانستان، وأن يترك عدد محدود من القوات لمواجهة «الإرهاب»؛ ولكن من دون أن تتورط في صد التدخل الإيراني. وأن يقوم الجنود بتدريب القوات العراقية فقط إذا كانت هناك مصالحة سياسية.
وخلال أول مناظرة رئاسية ديموقراطية أُجريت في 26 نيسان 2007، قال أوباما «إنني فخور بحقيقة أني وضعت خطة في كانون الثاني تعكس ما تبنّاه الكونغرس في النهاية، حيث تقرر أنه لا يوجد هناك حل عسكري لذلك. ويتعيّن علينا إيجاد حل سياسي، وبدء انسحاب مرحلي، والتأكد من أن لدينا معايير في مكانها الصحيح كي يتمكن الشعب العراقي من تحديد الكيفية التي يريدون التقدم إلى الأمام بها».

الصراع العربي ـ الإسرائيلي

انتقد أوباما خلال حملته غير الناجحة لانتخابات مجلس النواب الأميركي في عام 2000 حكومة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون لدعمها غير المشروط للاحتلال الإسرائيلي وسياسات إسرائيل الأخرى. ودعا إلى انتهاج سياسة متساوية في التعامل مع الصراع العربي ـ الإسرائيلي. وأدلى ببيان يؤيد فيه تسوية سلمية وفق مبادرة جنيف والجهود المشابهة التي يبذلها من سمّاهم المعتدلين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وزار أوباما أواخر عام 2005 الأردن وإسرائيل وأراضي السلطة الفلسطينية، والتقى وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك سلفان شالوم والرئيس الفلسطيني محمود عباس. وفي لقائه مع مجموعة من الطلاب الفلسطينيين قبل أسبوعين من فوز حركة «حماس» بالانتخابات التشريعية الفلسطينية، نقل عنه قوله إن «الولايات المتخدة لن تعترف بفوز مرشحي حماس قبل أن تعلن الحركة تغيير بند تدمير إسرائيل من ميثاقها». وبعد فوز «حماس»، قال أوباما إن «الأمل يحدوه أن تدرك حماس أن الوقت قد حان للخطاب المعتدل».
وعقب إعلان أوباما ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة الأميركية، نقلت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية عن مساعد رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الرئيسية (نحو 50 منظمة)، مالكولم هونلين، قوله «إن المنظمات اليهودية قلقة من تقدم المرشح الأميركي الأسود أمام منافسيه، وخصوصاً أن مواقف أوباما تجاه القضايا الخارجية غير واضحة للمنظمات اليهودية».
وأشارت «معاريف» إلى أن «القلق بسبب ماضي أوباما وطفولته، وخصوصاً أن والده مسلم وأمه تزوجت من رجل إندونيسي مسلم وتربى في إندونيسيا في أحضان أسرة مسلمة، وهناك قلق من أن يكون قد تأثر بالمسلمين أو أنه قد يتعاطف معهم».
إلا أن أوباما ينطلق في رؤيته لأمن إسرائيل وأمنها من الفرضية نفسها لمنافسته هيلاري كلينتون وهي أن «الولايات المتحدة وإسرائيل تشتركان في العديد من القيم ولا سيما الديموقراطية والحرية السياسية والاقتصادية وكذلك حرية المرأة».
وفي كلمته أمام منظمة «ايباك» عام 2006، عبّر أوباما عن سعادته لزيارة إسرائيل، مشيراً إلى تشابه مدنها وضواحيها لمعظم المدن والضواحي الأميركية من حيث التخطيط. وخلال كلمته أيضاً، نقل صورة المنازل التي دمرتها صواريخ حزب الله إبان عدوان تموز. كما نقل أيضاً مشاعر الأسر التي كانت تعيش في تلك المنازل، وأعلن أنه التقى بأسر الجنود الأسرى لدى «حماس» وحزب الله.
وفي ما يتعلق بدور الولايات المتحدة بعملية السلام، ولا سيما بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يرى أوباما أن الحرب الأميركية في العراق قلّصت من فاعلية الدور الأميركي في عملية السلام. وأشار إلى أنه لكي تستعيد واشنطن دورها عالمياً وفي منطقة الشرق الأوسط يجب عليها التخلص من العبء العراقي الذي يثقل كاهلها. ورأى أن الالتزام الأميركي بعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا بد أن ينطلق من الحفاظ على الأمن الإسرائيلي.
وفي هذا الإطار، يعتقد أوباما أن التحديات المحدقة بإسرائيل، تبدأ من التهديد الإيراني المحتمل، المتمثل في تصريحات رئيسها محمود أحمدي نجاد بمحو الدولة العبرية، ناهيك عن التهديدات النووية الإيرانية للأمن الإسرائيلي، والتى «ستؤدي في التحليل الأخير إلى اختلال موازين القوي في المنطقة لغير مصلحة إسرائيل».
ومن اللافت للنظر أن أوباما قد انضم إلى أعضاء آخرين في مجلس الشيوخ لإصدار قرار يدافع عن إسرائيل في وجه الانتقادات والإدانات الدولية التي تلقتها بسبب عدوانها الواسع على لبنان في صيف 2006. وادّعى أن حزب الله «كان هو المسؤول عن ذلك باستخدامه أناساً أبرياء دروعاً بشرية». كما أن أوباما، خلال عضويته ونشاطه في مجلس الشيوخ الأميركي، دأب على إدانة الهجمات التي تشنها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، لكنه لم يُدن الاعتداءات وأعمال القتل التي تمارسها سلطات الاحتلال ضد الفلسطينيين.
وقد كرر أوباما هذا الموقف في رسالة بعث بها إلى المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة زلماي خليل زاد يوم الثالث والعشرين من كانون الثاني 2008 يدعوه فيها إلى منع صدور بيان رئاسي من مجلس الأمن في شأن حصار قطاع غزة والجرائم الإسرائيلية «إلا إذا تضمن إدانة كاملة للهجمات الصاروخية من حماس وغيرها ضد مدنيين في جنوب إسرائيل خلال العامين الماضيين».
وقال، في رسالته، «إننا جميعاً قلقون إزاء تأثير إغلاق المعابر الحدودية على العائلات الفلسطينية، ولكن علينا أن نتفهم لماذا ترغم إسرائيل على هذا». وأضاف أن «غزة تحكم من قبل حماس، التي هي منظمة إرهابية أقسمت على تدمير إسرائيل».
ويرى محللون أن أوباما، بسبب أصله الأفريقي ووالده المسلم، سيخضع أكثر من أي مرشح آخر للضغوط لكي يتجنب إلصاق «تهمة معاداة إسرائيل» به. وأنه بالرغم من كل ما صدر عنه لمصلحة الدولة العبرية، إلا أنه يبدي اهتماماً كبيراً في الترويج لتسوية سلمية شاملة حيث أقر بضرورة أن «تقدم الحكومة الإسرائيلية تنازلات صعبة من إجل إعادة بدء عملية السلام». إلا أنه أعلن دعمه للموقف الإسرائيلي في المفاوضات، ولا سيما رفضه لحق العودة للاجئين الفلسطينيين.
وخلافاً للضغط الذي مارسته إدارة بوش على إسرائيل لعدم التفاوض مع سوريا، فإن أوباما تعهّد بألّا يمنع أبداً رئيس حكومة إسرائيلية من التفاوض مع أي طرف عربي، كما قد يعمد كرئيس للولايات المتحدة إلى إطلاق مبادرات «جوهرية» لتسوية قضايا المنطقة والتقليل من الاعتماد على القوة والوجود العسكري الأميركي فيها.
ويقول مقرّبون منه إنه يعتقد أن «للقوة العسكرية الأميركية حدوداً، كما أن لنفوذها في المنطقة حدوداً أيضاً وأنه لا بد من اللجوء إلى الحوار والتسويات، وخصوصاً مع سوريا وإيران». وهو يعتقد أنه يجب على الولايات المتحدة ألا تنغمس بالطريقة التي تقوم بها إدارة بوش في شؤون المنطقة وضرورة ترك آليات العمل الخاصة بها لدول المنطقة نفسها. كما إنه يعتقد أن نشر الديموقراطية بالطريقة التي تنتهجها إدارة بوش لم يؤد إلى نتيجة، وأنه ينبغي منح الكونغرس دوراً أكبر في هذا الشأن إلى جانب المنظمات غير الحكومية.

إيران والجهود الدبلوماسية

يرى أوباما أن هناك إمكاناً للدخول في مفاوضات دبلوماسية مباشرة مع إيران، وكذلك إمكان تشديد العقوبات الاقتصادية ضدها بالتعاون مع المجتمع الدولي. وقال، لصحيفة «نيويورك تايمز»، «سأجتمع بصورة مباشرة مع الزعماء الإيرانيين والسوريين. سننخرط في مستوى من الدبلوماسية الشخصية الحازمة تُطرح من خلالها مجموعة كاملة من القضايا على مائدة البحث. فإيران وسوريا ستبدآن في تغيير سلوكهما إذا بدأتا في رؤية محفزات لفعل ذلك، ولكن حتى الآن المحفز الوحيد الموجود هو اقتراح رئيسنا: إذا قمتم بما طلبناه منكم، فربما لن نقوم بقصفكم».
وفي أول مناظرة للمتنافسين الديموقراطيين الثمانية في تموز الماضي، لم يمانع أوباما في لقاء الرئيس الإيراني بعد دخول البيت الأبيض. وقال، رداً على سؤال، «نعم، أرغب خلال العام الأول من إدارتي بالاجتماع بصورة منفصلة، ومن دون شروط مسبقة، مع زعماء إيران، وسوريا، وفنزويلا، وكوبا، وكوريا الشمالية».
وبالرغم من عدم استبعاده الخيار العسكري في التعامل مع إيران إذا لزم الأمر، إلا أن أوباما أوضح، في مقابلة مع الإذاعة القومية العامة، أن الخيار العسكري مطروح، لكنه «لا يأتي في بداية الخيارات». وقال «لقد صرحت مراراً أن الخيارات العسكرية يجب أن تظل مطروحة على الطاولة. السؤال هو: هل تبدأ بها أو تُقدم الجزرة والعصا في الوقت نفسه؟ أعتقد أن إيران تدرك التهديد العسكري الذي نزهو به. إنهم لن يندهشوا من أننا نستطيع ضربهم وبشدة. أما الأمر الذي لم نقترحه فهو ما المزايا التي سيجنونها بتعاملهم في المنطقة بشكل أكثر مسؤولية. ذلك إذاً لب المهمة».
وقد شارك أوباما، عضواً في مجلس الشيوخ، في تبني قانون منع الانتشار الخاص بإيران الصادر في آذار 2007، والذي من شأنه تشديد العقوبات على طهران، وتقليص صادرات المواد الغذائية من الولايات المتحدة إلى الجمهورية الإسلامية.
لكنه لم يصوّت على قرار في مجلس الشيوخ في أيلول 2007 يطالب الإدارة بإعلان فيلق الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية. وقدم في تشرين الثاني 2007 مشروع قانون في مجلس الشيوخ يقول: إن «الرئيس بوش ليست لديه السلطة لاستخدام القوة العسكرية ضد إيران».

***


في «الأخبار» غداً:المرشحون الجمهوريون
وقراءة في «الثلاثاء العظيم»