حسام كنفاني
لا مجال للتشكيك في حقّ المقاومة الفلسطينية في الردّ بكل الوسائل المتاحة على العدوان الإسرائيلي، ولا سيما في قطاع غزة، حيث استشهد أكثر من مئة فلسطيني خلال الشهرين الماضيين فقط.
العملية الاستشهادية في مدينة ديمونا الإسرائيلية أول من أمس تأتي في سياق هذا الرد. لكن المعطيات الكثيرة التي سبقت العملية تطرح الكثير من التساؤلات عن التوقيت، ومدى انسجامه مع الحاجة الفلسطينية في المرحلة الحالية، ولا سيما في ظل الحصار الخانق على قطاع غزة.
ولو أن العملية تمّت قبل اختراق الحاجز الحدودي في رفح ولقاءات القاهرة المصرية ـــــ الفلسطينية، لكانت وضعت في سياق العمليات النوعية، التي تثبت أنه مهما قسا الحصار ومهما علت الجدران فإنها لن تقف حائلاً في وجه الفلسطيني في إثبات حقّه في الوجود، ولكان «وعد الأوفياء» رسالة حقيقية إلى سلطات الاحتلال لتدرك أن الإجراءات حول غزة وفي بعض مناطق الضفة الغربية لن تجدي.
وبغض النظر عن ربط العملية بتوقيت تقرير فينوغراد والحاجة الإسرائيلية إلى «فريسة» ترفع معنويات جيشها وجمهورها، فإن التنفيذ بعد اختراق رفح وحوار القاهرة وجّه الرسائل إلى غير موضعها وحمّل تبعاتها إلى الطرف الفلسطيني الفاعل في قطاع غزة، وهو حركة «حماس»، التي وإن رحبت بالعملية، كانت المتضرّر الأكبر منها، حتى إن مصادر مقرّبة من الحركة رأت فيها «نظرية مؤامرة»، ولا سيما أن التبنّي الأوّل للعملية أظهر مشاركة للجناح العسكري لحركة «فتح».
و«حماس» وحكومتها المقالة لا شك تنظران بعين الريبة إلى إعلان تبنّي العملية وانطلاق منفذيها من قطاع غزة، وهو ما حاولت استيعابه بإعلان تبنٍّ متأخر للعملية، وأن المنفذين قدما من الضفة الغربية، بهدف واضح هو حرف الأنظار عن غزة وارتباط فتح الحدود مع مصر بالعملية الاستشهادية.
كذلك تنظر الحركة وحكومتها بعين الريبة إلى الاشتباك مع القوات المصرية أول من أمس على الحدود وتداعياته والضالعين فيه، ولا سيما أنه جاء مباشرة بعد إعلان تبنّي عملية ديمونا ليزيد إحراج الحركة أمام الحكومة المصرية، التي كانت إلى الأمس القريب تتحدث عن إمكان الإبقاء على منفذ حدودي عبر بوابة صلاح الدين يكون متنفساً لفلسطينيي القطاع.
وبغضّ النظر عن المنفّذ الحقيقي للعملية، فإن الانعكاس بات واضحاً على الأرض، وتمثّل في إغلاق القوات المصرية لهذه البوابة، وهو ما يمثّل عودة إلى النقطة الأولى من انطلاق الحصار الإسرائيلي على القطاع. حتى إن الحوار بين «حماس» والقاهرة قد لا يجد له منفذاً بعد اليوم، وبات لمصر اليوم شروط تفرضها على أي آلية للاتفاق حول إدارة المعبر، ولا سيما أن شروط الحركة والتزاماتها في ضبط الحدود سقطت عند العملية الاستشهادية، إذا صحّ التبنّي الأوّل للعملية، والاشتباك مع القوات المصرية.
هذا الاشتباك قد يعطي إشارة إلى ما يمكن أن يكون عليه أسلوب التعاطي المصري مع أي محاولة جديدة من «حماس» أو فلسطينيي غزة لاقتحام الحدود، ولا سيما أن الرئيس المصري حسني مبارك أعلن بصرامة أن مثل هذه الأمور لن تتكرر. وبالتالي فتداعيات العملية ستضع جائعي غزة في مواجهة قوات الأمن المصرية، وتزيد من مأزق «حماس» أمام التزاماتها الداخلية والخارجية.