بغداد ـ زيد الزبيدي
يستطيع نوري المالكي أن يرفع العلم العراقي الجديد فوق مقرّ مجلس الوزراء في المنطقة الخضراء، كذلك يستطيع أن يصوّر إقرار قانون «المساءلة والعدالة»، على أنه انتصار لحكومته في المصالحة الوطنيّة. إلا أنّ حقيقة الأمور لا تجري على هذه الحال، انطلاقاً من استمرار عجزه عن إجراء تعديل وزاري تعدّدت صيغه


في الفترة الأخيرة، طرأت تطوّرات كبيرة على خريطة التحالفات والتشكيلات السياسية، في مقدّمها حدثان: ارتفاع منسوب الخلاف بين عرب التحالف الحاكم في بغداد وبين التحالف الكردستاني على أساس معضلات مصير كركوك، وحصّة إقليم كردستان من الموازنة العامّة، وقانون النفط والغاز... والتطوّر الثاني كان تحسّن العلاقة بين الكتل المعارضة للمالكي، «جبهة التوافق» وكتلة إياد علاوي بالتحديد، ما أوحى أنّه قد يكون في وارد أن يتمّ استبدال الوزراء الأكراد بوزراء من هاتين الكتلتين. لكنّ جميع هذه التسريبات تظهر محدوديّة واقعيّتها في ضوء التأجيل المستمرّ لهذا التعديل الحكومي.
وفيما رفع المالكي العلم العراقي الجديد، الخالي من النجوم الثلاث، فوق مقرّ حكومته، في ظلّ رفض حكومة إقليم كردستان الاعتراف بهذا العلم، الذي سيُعتَمَد لمدّة عام واحد، «إلا بعد مصادقة برلمان الإقليم عليه»، نقلت صحيفة «إندبندنت» اللندنية عن مصادر عراقيّة تأكيدها أنّ قانون «المساءلة والعدالة» لن يدفع المصالحة الوطنية بين السنة والشيعة قدماً، بل قد يحصل العكس، لأنّ التشريع الجديد «سيكثّف عمليّاً الملاحقات القانونية بحقّ أنصار النظام السابق»، بدليل أنّ 7000 موظّف بارزين في أجهزة الأمن العراقية «سيفصلون من العمل».
وبشأن الأجواء المحيطة بالتعديل الوزاري الذي كثُر الكلام حوله وغاب أي مؤشّر إلى اقتراب موعد حصوله، يعتقد مراقبون أنّ كلّ ما يمكن أن يقوم به المالكي على المدى المنظور ـــــ خلال الأشهر لا الأسابيع المقبلة ـــــ هو إجراء «ترقيعات» متفاوتة، على شكل دفعات، لإنجاز تعديل غير جذري في حكومته الحاليّة.
وتنطلق الجهات السياسية «المتفائلة» من حسابات متفاوتة، بين توسيع التكتلات القائمة حالياً، أو تغييرها، وبين النقيض لها بتأليف حكومة تكنوقراط «رشيقة»، تتكوّن من 18 إلى 22 وزيراً.
وبحسب القائد في التيار الصدري بهاء الأعرجي، فإنّ كل ما قيل حول التعديل أو الاختزال الوزاري «مجرّد كلام للاستهلاك الإعلامي ليس الاّ»، وفي أحسن الحالات هو مجرّد تمنيات.
وفي وقت نفسه شهدت الساحة العراقية ولادة تكتّلات جديدة، لا يلوح في الأفق توافق بين مكوّنات أي منها، وتكاد أطراف هذه التكتلات لا تتّفق سوى على رفض مطالب الحزبين الكرديّين الرئيسيّين، وتلك مشكلة إضافية تظهر أمام إمكان «تعايش» المعارضين العرب مع الأكراد في حكومة واحدة.
وحيال تخلخل «التحالف الرباعي» الذي ضمّ في الصيف الماضي الحزبين الكرديين إلى المجلس الأعلى الإسلامي وحزب الدعوة (الطرفين الشيعيّين الأقوى في الائتلاف الحاكم)، واجه التكتل الثلاثي الذي تألّف من نائب الرئيس طارق الهاشمي والحزبين الكرديّين مشاكل داخلية مع الاعتراض الذي سجّله رئيس الحزب الإسلامي على قانون «المساءلة والعدالة» الذي أعدّه الرئيس جلال الطالباني، برضىً أميركي، لأن نائب الرئيس «لا يريد فقدان حاضنته الشعبية» (السنية بالأساس)، فسمح بإمرار القانون في مجلس الرئاسة عبر امتناعه عن التصويت.
وفي السياق، جاء «استقواء» المالكي بالمعارضين لتوجّهات القيادات الكرديّة في القضايا الخلافيّة في غير محلّه، لأنّ الردّ الكردي جاء على شكل تلويح بالانسحاب من الحكومة، وفي هذه الحالة الخيار الأصعب سيكون شبه تقسيم رسمي لبلاد الرافدين.
أمّا أبرز ما يخشاه المالكي حاليّاً، وفق أحد البرلمانيّين المقرّبين منه، فهو إجراء تغيير وزاري جذري، لأن ذلك يعني إقالة الحكومة الحاليّة، بهدف تأليف حكومة جديدة، يشكّ الرجل في أن تحظى بموافقة البرلمان، فيبقى حينها رئيساً بلا حكومة.