معمر عطوي
يبدو أن الذكرى التاسعة والعشرين لقيام الثورةالإسلامية في إيران، قد حملت إلى الشعب الإيراني مفاجآت على صعيد تطور الصناعات العسكرية والتقنية، لدرجة أنها باتت تلامس الفضاء، بعدما أُطلق أول صاروخ مُخصَّص للأبحاث الفضائية، تمهيداً لإطلاق أول قمر اصطناعي في آذار 2009


تسارعت وتيرة الإعلان عن إنجازات عسكرية وتقنية، ولا سيما في عهد الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد، مع وصول الأزمة النووية الإيرانية إلى ذروتها. إنجازات بدت كأنها إجراء وقائي، حاول النظام الإسلامي من خلاله هزّ العصا في وجه تهديدات واشنطن المترافقة مع وجودها العسكري الكثيف في منطقة الخليج.
ربما كانت المفاجأة الأبرز الممكن إدراجها في لائحة «مفاجآت نجاد»، الذي وعد بها العام الماضي، إطلاق صاروخ «كاوشكر 1» المُخصَّص لأبحاث الفضاء هذا الأسبوع. وذلك في إطار تدشين أول مركز فضائي في البلاد، تمهيداً لإطلاق أول قمر اصطناعي في مناسبة بدء السنة الفارسية المقبلة التي تنتهي في آذار عام 2009.
عملية إطلاق هذا الصاروخ التي حضرها نجاد، كشفت عن أول منظومة فضائية محلية الصنع للأغراض البحثية والعلمية، تتكون من قمر اصطناعي أُطلق عليه اسم «أميد»، أي «الأمل»، ومحطات تحت الأرض، بالإضافة إلى محطات إطلاق فضائية. وبهذا الإعلان، باتت إيران الدولة الحادية عشرة في العالم التي تمتلك مثل هذا النوع من التقنية. مع العلم أن التكنولوجيا المستخدمة لإطلاق أقمار اصطناعية يمكن أن تستخدم في الوقت نفسه لإطلاق أسلحة باليستية.
هذا التطور يجسِّد قدرة طهران، خلال السنوات الماضية، على تحدِّي الدول العظمى والالتفاف على قرارات العقوبات الدولية، التي تفرض حظراً على استيراد تقنيات تطوير الصواريخ.
لعل ما أظهرته الحرب الإسرائيلية على لبنان في عام 2006، من قدرات صاروخية، يؤكد المرحلة المتقدمة التي وصل إليها النظام الإيراني. ثمة مجموعة رائدة من الصواريخ التي اختُبرت في هذه الحرب مثل: صواريخ «فجر»، النسخة المعدّلة من «الكاتيوشا»، التي طُوِّرت في إيران ليبلغ مداها 35 ــــ 75 كيلومتراً. وهناك أنواع من هذه الصواريخ مثل «فجر 3»، ومداه 35 كيلومتراً، و«فجر 4»، و«فجر 5»، ومداهما 75 كيلومتراً. ويمتلك «فجر 3» قدرات هجومية واسعة تمكّنه من ضرب أهداف عديدة في آن واحد باستخدام رؤوس حربية متعددة.
أما صواريخ «رعد»، فهي شبيهة بصواريخ «فروغ» الروسية، ويصل مداها إلى 70 كيلومتراً، وبعضها سقط على حيفا في فلسطين المحتلة. كما نجحت إيران في عام 2006، بتجربة صاروخ «البرق»، وهو صاروخ «أرض ــــ أرض» يتراوح مداه بين 80 و250 كيلومتراً. لكن الأهم من كل ذلك ما كانت قد توصلت إليه في عام 2005، حين تمكّنت من صنع صواريخ «زلزال» الباليستية، التي تعمل بالوقود الصلب.
والحديث عن الجيل الآخر من الصواريخ البعيدة المدى، قد يأخذ منحى آخر في طريقة رصد هذا التطور. لقد أنتجت إيران مجموعة صواريخ «شهاب»؛ «شهاب 3»، يبلغ مداه تقريباً 2250 كيلومتراً، ويمكن التحكم به عن بعد، ويُعَدّ أكبر تهديد لإسرائيل وللقواعد الأميركية في الدول المجاورة. إضافة إلى ذلك، يوجد العديد من سلسلة شهاب (4 ــــ 5 ــــ 6 ) غالبيتها سرّية.
وقد تكون المفاجأة الأكبر على هذا المستوى، القنبلة الذكية «قاصد»، التي تزن حوالى 2 طن، ولها قدرة عالية جداً على التدمير.
ولم تتوقف الصناعات العسكرية التي يشارك فيها الجيش والحرس الثوري عند القدرات الصاروخية، بل تجاوزتها إلى تدشين خمسة خطوط إنتاجية لصناعة تجهيزات متطورة جداً في مجال الرادارات والحرب الإلكترونية، الأسبوع الماضي.
ترافق ذلك مع الإعلان عن الانتهاء من مرحلة تصميم طائرات خفّية لا تكشفها الرادارات المتطورة.
وكانت الجمهورية الإسلامية قد دشّنت في أيلول الماضي جيلاً جديداً من الطائرات المقاتلة الحديثة، تحت اسم «صاعقة»، شبيهة بطائرة «أف ـــ 18» الأميركية، فيما نجحت أيضاً في تطوير عدد من المروحيات العسكرية التي تشبه في أدائها مروحيات «الكوبرا» الأميركية.
كذلك فقد تمكنت من صنع طائرات من دون طيار، من نوع «مهاجر 4»، أطلق عليها حزب الله اسم «المرصاد 1»، واستخدمها فوق شمال فلسطين المحتلة.
وطالت قدرات إيران العسكرية، البر والجو والبحر، ولا سيما أن التهديد الأكبر يأتيها من الخليج، حيث تجوب البوارج الحربية الأميركية. وقد باتت إيران من الدول المصنّعة للناقلات البحرية والعسكرية من طراز «الجوشن». وتمكنت في العام الماضي من صناعة غواصة «الغدير». وأصبحت الغواصات العسكرية المتطورة من صنع إيراني، «سلسلة يونس»، تجوب الخليج، الأمر الذي دفع واشنطن إلى وضع رادارات لبارجاتها العسكرية هناك، تحسباً لأي هجوم إيراني.
وكانت القوات العسكرية الإيرانية قد أجرت في عام 2006 تجربة ناجحة لصاروخ أرض ــــ بحر، يتفاوت مداه بين القصير والمتوسط، وقادر على المراوغة أمام أجهزة الرادار. هذا الصاروخ يسمى «الكوثر»، وهو مزوّد بأجهزة تحكم عن بُعد وأنظمة استكشاف. وفي العام الماضي، أجرت اختباراً لغواصة أطلقت بنجاح صاروخاً موجّهاً «بحر ــــ بر».
سبق ذلك تجربة ناجحة لإطلاق «الحوت»، وهو طوربيد بحري يتحرك بسرعة 223 ميلاً في الساعة، ويمتلك قدرات عالية تخوّله مراوغة سفن العدو، ولا ترصده أجهزة الرادار.
وكانت إيران قد دشّنت العام الماضي، خط إنتاج مدمّرة بحرية أسمتها «موج 2»، زنها نحو 1420 طناً، وتحمل صواريخ «بحر ــــ بحر» و«بحر ــــ جو». هذه الإنجازات التي توصلت إليها إيران في السنوات الأخيرة، تحمل رسالتين واضحتين إلى الغرب: الأولى تفيد بأن الحصار لم ينجح في منعها من امتلاك ترسانة عسكرية من صنعها المحلّي، لحماية برنامجَيها النووي والفضائي. أما الثانية، فتفيد بأن لا حل عسكرياً للأزمة المستعرة بينهما، وأن التسوية لن تخرج إلا من طاولة التفاوض.