باريس ــ بسّام الطيارة
قاد انعدام ثقة عدد كبير من الأوروبيّين بالمؤسّسات الأوروبية، إلى إعادة صياغة الدستور الأوروبي الذي سقط أمام الاستفتاءات الشعبيّة في بعض الدول مثل فرنسا وهولندا، وهو ما دفع الحكومات الأوروبية إلى «تعديل طفيف»، خصوصاً في التسمية، للتخلّي عن كلمة «دستور»، وجعلها «معاهدة».
ويبدو أن التعديل لن يكون كافياً لإقرار المعاهدة، إذ تخوّفت بعض العواصم الأوروبية من العودة إلى «تحكيم الشعوب» عبر استفتاءات مباشرة على التعديلات، ففضّلت تعديل دساتيرها الوطنية لإقرارها، والتنازل عبرها عن الكثير من حقوقها الوطنية لتذوّبها في إطار أوروبي. وهو ما حصل في مطلع الأسبوع، حيث عُدّل الدستور الفرنسي، وتمّت المصادقة على معاهدة لشبونة.
لكن، قبل أن تنقضي فترة شهرين على تسلّم سلوفينيا، الدولة الصغيرة، للمرّة الأولى رئاسة الاتحاد الأوروبي، تلوح في أفق الدبلوماسية الأوروبية «أزمة ثقة»، قد تعمّق الهوّة التي تفصل المواطنين عن المشروع السياسي الأوروبي. فقد كشفت صحيفتا «دنيفنيك» السلوفينية و«بوليتيكا» الصربية أنّ اجتماعاً سرياً قد حصل بين المدير السياسي في وزارة الخارجية السلوفينية ميتجا دروبنيك، ومسؤولين كبار في وزارة الخارجية الأميركية، جرى فيه التداول في «طريقة إدارة الدبلوماسية الأوروبية» عن طريق الرئاسة السلوفينيّة. وكشفت الصحيفتان عن وثائق «سرية جدّاً»، تظهر فيها كل النقاط التي تمّ التداول فيها و«الحلول التي اقترحها المسؤولون الأميركيّون». ورغم الصمت الذي أحاط بهذه الفضيحة، فإنّ بعض الإشارات التي لا يمكن إخفاؤها، تدلّ على أنه «لا دخان من دون نار»، إذ سُرّح قبل أسبوع موظّف كبير في الإدارة السلوفينية بالإضافة إلى مساعده، بسبب «تسريبهما» الوثيقة السرية، والتي سبّبت إرباكاً في أوساط الاتحاد الأوروبي. ومن ضمن ما ذكرته الوثيقة، بحسب الصحيفتين، أن معظم النقاط الساخنة التي يمكن أن تؤثّر فيها السياسة الأوروبية قد تمّ تناولها بالتفصيل: لبنان وسوريا وإيران وروسيا وجورجيا وكوسوفو، وحتى مصر. وفي ما يتعلّق بلبنان، فقد ذكرت صحيفة «دنيفنيك» أنّ إليوت أبرامز، مساعد وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، قد «نصح» في اجتماع بتاريخ ٢٤ كانون الأول «بالبدء بممارسة ضغوط على سوريا للقبول بحلّ في لبنان»، مشيراً إلى أنّ «(الرئيس الفرنسي نيكولا) ساركوزي و(الرئيس الأميركي جورج) بوش متّفقان على هذا التوجّه بما فيه فرض عقوبات».
أمّا في الشأن الإيراني، فقد شرح وزير الخارجية السلوفيني ديمتري روبل، للمسؤولة عن الملف الإيراني في وزارة الخارجية الأميركية، ما طلبه وزير الخارجية الإيراني منوشهر متّكي من سلوفينيا، في مجال العمل على تليين موقف أوروبا بهدف توقيع اتفاقات تعاون ثقافي بين الطرفين. ونقلت الصحيفتان قول المسؤولة الأميركية إنّ الحوار مع إيران متوقّف، وإنه «يجب تكثيف الضغوط على طهران بهدف رفع كلفة مخالفتها للأنظمة الدولية». وفي انتقاد لأسلوب الولايات المتحدة في فرض وجهة نظرها على سلوفينيا، وصفت صحيفة «بوليتيك» خنوع وزير خارجيّتها في مقالة تحت عنوان «مستر yes». ولم ينفِ الوزير وجود هذه الوثيقة، واكتفى بلوم «المسؤولين عن تسريب وثائق رسمية»، مشدّداً على أنّ «الولايات المتحدة دولة صديقة، ولها علاقات مع سلوفينيا مبنيّة على قاعدة التساوي واستقلال الرأي».