حسام كنفاني
عندما اختار وزير الخارجية المصري، أحمد أبو الغيط، استعارة تعابير «التكسير» من رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين إبان الانتفاضة الأولى، أثار نقمة شعبية فلسطينية وعربية، إلا أنه لم يمنع الفلسطينيين والعرب من الابتهاج بانتصار منتخب مصر بكأس أفريقيا لكرة القدم.
وعندما اختار نظام الرئيس حسني مبارك إغلاق الحدود كاملة مع قطاع غزة، والمشاركة بشكل مباشر أو غير مباشر في تجويع أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني، لم يمنع ذلك الفلسطينيين من الركون إلى «تآمر» بعض أهل سيناء، وحتى بعض أفراد الأمن المصري، معهم، والتغاضي عن «أوتوسترادات الأنفاق» العابرة بين رفحين المصرية والفلسطينية.
مهما فعل وقال أبو الغيط، ومن ورائه النظام الحاكم في مصر، يبدو أنه لا يمكن تشويه الدور المصري التاريخي الكبير في القضية الفلسطينية، وحتى في القضايا العربية، الذي اضطلعت به القاهرة على مدى أكثر من خمسين عاماً، وتحديداً بعد ثورة 23 تموز 1952.
ربما كان من الأفضل لنظام مبارك مراعاة هذا الدور المصري، والمحاولة ما أمكن مداراة الاصطفاف خلف مشاريع وهمية تسوّق لها الإدارة الأميركية، ولا سيما أن التمترس حول شعار «الأمن القومي المصري» ما عاد يقنع لا الفلسطينيين ولا حتى المصريين.
ومن المسلّم به أن الأمن القومي المصري لا يحميه الرصاص على الفلسطينيين الذين ظنّوا أن الحضن العربي المصري لا يزال مفتوحاً لاحتواء الجوار، وأداء دور «الشقيق الأكبر»، الذي كثيراً ما برعت فيه القاهرة بغض النظر عن التحالفات القائمة بين الأنظمة.
ومن الأكيد أيضاً أن الأمن القومي المصري لا تحميه هراوات رجال الأمن لقمع تظاهرات التعاطف السياسية والمطالب المعيشية، سواء نظمتها أحزاب دينية لها امتدادات إقليمية أو مجموعات عمّالية تعاني الأمرين من شروط الحياة اليومية في القاهرة.
والأمن القومي المصري، بحسب تفسير أبو الغيط، لا تؤثّر فيه فضائح التعذيب في أقسام الشرطة وصور التزوير في أقلام الاقتراع، بل لعلها من أسس حماية هذا الأمن، الذي بات يعني حكراً الحفاظ على النظام القائم.
ألم يقلق أبو الغيط على الأمن القومي وهو يراه مرهوناً لفتات المعونة الأميركية، التي تستغلها واشنطن للتدخّل في كل شاردة وواردة في نظام مبارك إذا رأت أنه بدأ يحيد عن «السكّة الأميركية».
قد تنجح رؤية أبو الغيط وتهديداته في إثارة نقمة على القاهرة وسياساتها، إلا أنها بالتأكيد لا تعبّر عن مصر الشعبية، الناقمة أيضاً على السياسات الانهزامية. وبالتأكيد لا تؤثّر على الصورة الراسخة في الأذهان لمصر الدولة والدور، بعيداً عن مصر الحكم الحالي.
كلام أبو الغيط فيه ما يكفي من الإهانة لمصر ودورها، إلا أنه حتماً لا يعبّر عن مصر ولا يعكس حال الغليان في الشارع، التي عبّر عنها تدفق الآلاف خلال الساعات القليلة لفتح معبر رفح للمشاركة في نصرة غزة، وليؤكّدوا أن الرهان على الدور المصري لا يمكن أن يسقط.