باريس ــ بسام الطيارة
«ألمعية» مارتينو ضحيّة ساركوزي الابن... وسيسيليا

هذه المرة، على غير عادته، لم يستطع نيكولا ساركوزي فعل ما قاله، واضطر إلى التخلّي عن المتحدّث باسمه دافيد مارتينو، الذي كان قد رشحه «ليرث موقعه» في رئاسة بلدية «نيويي سور سين» الذي احتله منذ عام ١٩٨٣ وجعله «قلعة الساركوزية».
والواقع أن الاستفتاءات التي تتوالى وتتشابه تشير إلى أن شعبية الرئيس تتراجع منذ شهرين على الصعيد الوطني، وهو ما سهّل على أهالي نيويي الجهر بأنهم لم يهضموا عملية «فرض رئيس بلدية» من سيد الإليزيه ولن يهضموها رغم العلاقة القديمة التي ربطتهم به.
وقد آل هذا إلى توقعات بخسارة فادحة لليمين، الذي حكم هذه الضاحية الغنية من باريس لعقود خلت، وهو ما لم يكن ساركوزي ليقبل به. إلا أن ما يضفي نوعاً من الاستمرارية الكلاسيكية على عملية التخلص من مرشح ساركوزي، في ما وصفه البعض بأنه «نحر مارتينو على مذبح الواقعية السياسية»، هو صبغة «الخيانة» التي لونت وصول ساركوزي نفسه إلى هذا المنصب عام ١٩٨٣ عندما انقلب على معلمه شارل باسكوا.
وجاءت الضربة هذه المرة من ابن ساركوزي، جان، الذي انقلب على معلمه مارتينو، ليعلن تأليف لائحة من دونه تحظى بدعم الحزب الحاكم ليظهر مارتينو كأنه مرشح منشقّ.
وقد أعاد التطور الدرامي هذا التذكير بأن عصر ساركوزي هو عصر النجومية وعصر التطورات الدرامية الأقرب إلى «تلفزيون الواقع»، وهو ما دفع بجميع «أبطال» هذا الفصل إلى واجهة الإعلام خلال أقل من ٢٤ ساعة.
ولئن كان يتفق الجميع على أن السياسة قاسية، فهم يوافقون على أن دافيد مارتينو قد طعن في الظهر بسبب خوف ساركوزي من خسارة جديدة. وقد عرف مارتينو نيكولا ساركوزي منذ سنوات، أي منذ طرق باب هذا الأخير عندما كان وزيراً للداخلية ليقول له «أريد أن أعمل معك».
وأعجب ساركوزي بجسارة الشاب الثلاثيني اللامع القادم من السلك الدبلوماسي، حيث كان ناطقاً مساعداً لوزارة الخارجية وأخذه في فريقه. ومنذ هذا التاريخ، صعد نجم مارتينو في الفضاء الساركوزي. ورغم بعض الشائعات التي قالت إن الفضل يعود لسيسيليا في بروزه السريع، فإن الجميع يتفق على أنه كان يتمتع بصفات كثيرة، منها قدرته على العمل المكثف والمنظم، وقد نوه عديدون بقدرته التواصلية وسرعة بديهته التي كانت إلى جانب إتقانه كل أسرار علوم التواصل والإعلام، قد جعلت منه متحدّثاً رسمياً يفي بدوره ويحمي سياسة معلمه من دون اللجوء إلى لغة خشبية منفّرة. وقد لقبه البعض بـ«درع ساركوزي الإعلامية» وهو لقب استحقّه بجدارة، وإن كان ذا طبع جاف ومتعال بعض الأحيان مع الصحافة ورجالها، ويعترف بأنه تحمّل صعوبة العمل في ظل ساركوزي وأن المهمة لم تكن سهلة بتاتاً.
ويقول مقربون من الإليزيه إن ساركوزي بدأ في الفترة الأخيرة يرى أن مارتينو يتحمل بعض مسؤولية تراجع شعبيته لدى الرأي العام. غير أن عوامل أخرى أسهمت في سقوط مارتينو ودفعته نحو باب الخروج من دائرة الضوء، بعدما تنبأ البعض له بمستقبل باهر مخطوط بحبر رضى سيد الإليزيه، منها ما هو من مسؤولية ساركوزي نفسه مثل عملية فرضه على سكان المنطقة بعدما نعته بـ«الغبي والطفل» أمام كاميرات «سي بي إس»، ثم التصاق صورة «التوريث» بهذا الترشيح، وخصوصاً أن ساركوزي الابن كان دائماً في الصورة ومرشحاً على هذه اللائحة، إضافة إلى حالة الوهن العامة التي أصابت اليمين بعد تراجع شعبية الرئيس.
وإذا صحّت الشائعات عن دور للأمين العام للإليزيه، كلود غيان، في الانتقام والتخلص من كل من كان مقرباً من حرم ساركوزي السابقة سيسيليا، تكون القوى التي تتضافرت لهزيمة دافيد مارتينو أقوى من أن يستطيع مقاومتها.
وقد قدم مارتينو صباح أمس استقالته ناطقاً رسمياً لساركوزي، الذي رفضها وطلب منه البقاء للاستفادة من خبراته في مركزه الحساس جداً، وخصوصاً أن شعبية الرئيس في قعر موجة التململ ومعركة كسب الرأي العام قائمة مع الإعلام ووسائله.
وقد وافق مارتينو على البقاء في مركز تحسين صورة الرئيس ورد السهام الإعلامية عنه، فطباعه «ليست من النوع الذي يترك باخرة تشارف على الغرق، ولو كان ثمن ذلك ابتلاع إهانة من رئيسه».