حسام كنفاني
يثير صمت «الشرعية» الفلسطينية عما يجري في غزة والتهديدات الإسرائيلية بشنّ عدوان واسع الكثير من التساؤلات عن تعاطي سلطة رام الله مع أي تحرك إسرائيلي من هذا النوع، ومدى تماهيها مع أهدافه، ولا سيما التي ذكرها محلّل الشؤون الأمنية في صحيفة «يديعوت أحرونوت» رون بن يشاي لجهة إسقاط حكم «حماس» في قطاع غزة.
حسابات سلطة محمود عباس قد تكون متطابقة في هذا البند مع الحسابات الإسرائيلية، ولا سيما أن «إنهاء الوضع القائم في غزة» بات مطلباً عربياً ودولياً يتجاوز المعايير الفلسطينية الداخلية، وبات مرتبطاً بشكل مباشر بـ«أوهام» السلام الأميركي، وهو ما تحرص إسرائيل على التذكير به. وزيرة الخارجية تسيبي ليفني عبّرت بوضوح عن هذا الشرط قبل يومين، حين قالت إنه «لا أمل في أي نوع من السلام أو أي تصوّر لدولة فلسطينية تشمل قطاع غزة من دون تغيير حقيقي على الأرض».
جزرة «الدولة الفلسطينية» ترفعها إسرائيل اليوم أمام الرئيس الفلسطيني لإحداث «التغيير الحقيقي» المراد، الذي لا يمكن أن يحدث بالطرق السلمية. وإذا كان العدوان الواسع على القطاع قد بات الخيار الإسرائيلي الأكثر ترجيحاً للتعاطي مع صواريخ «حماس» والفصائل الفلسطينية، فلا بد من قراءة في «صمت» رام الله عن التحضيرات الإسرائيلية ومدى انعكاس مثل هذا العدوان على سلطة عبّاس في الضفة الغربية.
لا شكّ أن الرئيس الفلسطيني، وإن كان يتشارك مع إسرائيل في هدف «إسقاط حماس»، إلا أنه ينظر بترقب لنتائج أي عدوان على القطاع، ولا سيما أن الضفة الغربية لن تكون في منأى عنه شعبياً وفصائلياً، وربما تقويض ما سعى عباس ورئيس حكومة تسيير الأعمال سلام فياض إلى ترسيخه منذ حزيران الماضي، تاريخ الانقلاب العسكري والفصل السياسي والجغرافي بين الضفة والقطاع.
فرغم الحملة العنيفة التي يشنها فياض والأمن الفلسطيني على سلاح فصائل المقاومة في الضفة الغربية، و«تحقيق إنجازات» في هذا السياق في نابلس وطولكرم وبيت لحم، إلا أن هذا لا يعني أن المقاومة أصبحت غير فاعلة في الضفة الغربية، ولا سيما حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وحتى عناصر «كتائب شهداء الأقصى» التابعة لـ«فتح» الذين رفضوا إلقاء السلاح.
وإن كان أنصار «حماس» اليوم يلجأون إلى «التقيّة»، على حدّ تعبير أحد قادتهم، إخفاء ميولهم وانتماءاتهم في الضفة الغربية، إلا أن هذا الأمر لن يبقى على حاله مع بدء حملة «إنهاء» الحركة الإسلامية في قطاع غزة، الذي قد تستغله سلطة عباس لتصعيد حملتها على أنصار «حماس» في الضفة الغربية.
ومن المؤكّد أن الحركة الإسلامية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي حملة إسرائيلية، وربما فلسطينية، من هذا النوع، وهي لا بد ستسعى إلى توسيع رقعة المواجهات مع قوات الاحتلال في الضفة الغربية بشكل يستدرج الجنود الإسرائيليين إلى المدن التي يتبجح عباس وفيّاض بـ«تطهيرها» من سلاح المقاومة.
من شبه المحسوم أن مثل هذه الحال من «الفوضى الأمنية» لن يكون الرئيس الفلسطيني قادراً على استيعابها، ولا سيما مع ما تعنيه من عودة للروح «الحمساوية» إلى مناطق نفوذه. وهو قد يلجأ إلى استنهاض «الهمّة» الفتحاوية لمواجهة الهبّة «الحمساوية» تحت مسمّيات نقل انقلاب غزة إلى الضفة، ولا سيما أن قواته ليست جاهزة اليوم لضبط الوضع على الأرض.
السؤال الأبرز في هذا السياق قد يكون بشأن تعاطي أنصار حركة «فتح» في قطاع غزة مع العدوان المرتقب، وإلى أي مدى قد يشارك مقاومو الحركة في التصدّي للاجتياح الإسرائيلي؟ وإلى أي مدى قد يكون الجانب الإسرائيلي مراهناً على مساعدة من الداخل «الغزاوي» قبل الإقدام على مغامرة الاجتياح؟