حسام كنفاني
عرض التهدئة الذي قدّمته الحكومة الفلسطينية المقالة في قطاع غزة، برئاسة اسماعيل هنية، ليس مستغرباً على حركة «حماس» رغم إعلان رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل في وقت سابق من الشهر الماضي أن الحركة الإسلامية لن تبادر إلى التهدئة مع الاحتلال.
التهدئة اليوم تفرضها معطيات كثيرة على الساحة الفلسطينية عموماً، ساحة «حماس» خصوصاً، وهي تأتي في سياق النهج البراغماتي للحركة منذ تسلمها مقاليد السلطة في الأراضي المحتلة عام 2006. نهج من الممكن الثناء عليه وانتقاده في الآن نفسه، ولا سيما أنه في إطار مراعاته للسير بين تيارين، ما عاد قادراً على الالتزام بأي منهما.
التهدئة ورفضها هو جزء من الإشكالية «الحمساوية» منذ أن أغوتها السلطة وسعت حثيثاً إلى امتلاكها، رغم ما تفرضه من تبعات كان من المفترض على «حماس» دراستها والتفكير بها جيّداً قبل الإقدام على تأليف حكومتها الأولى.
يبدو واضحاً أن «حماس» لم تدرس بعناية إشكالية السلطة والمقاومة، رغم سعيها إلى تسخير براغماتيتها في الموازاة بين الاثنين منذ ظهور ما بات يعرف باسم «الشروط الدولية» الثلاثة للاعتراف بحكم الحركة الإسلامية في قطاع غزة، وهي: نبذ العنف، والاعتراف بإسرائيل، والاعتراف بالاتفاقات الموقعة مع السلطة الفلسطينية.
وسعت الحركة منذ بداية وصولها إلى السلطة إلى تهدئة مع الاحتلال في إطار تماهيها مع شرط «نبذ العنف»، إلا انها لم تصل إلى حد إعلان الالتزام بهذا الشرط؛ فخلال الأشهر الأولى للحركة في الحكم، التزمت تماماً بالهدنة وامتنعت عن إطلاق الصواريخ، وهي لا تزال إلى اليوم مترددة في فتح جبهة صواريخها على مصراعيه، حتى إن أحاديث كثيرة راجت عن اصطدام مقاومي الحركة مع مقاومين من فصائل أخرى لتثبيت التهدئة.
الهدنة أرفقتها الحركة مع طروحات ومقترحات كثيرة على لسان أبرز قادتها لتكريس تهدئة طويلة الأمد؛ فمشعل، قال لصحيفة «كورييري ديلا سيرا» الإيطالية في 20/12/2006 إن «الطريق الوحيدة إلى السلام في فلسطين تمر من خلال حركة حماس»، داعياً الأوروبيين إلى التعامل مع الحركة. وألمح إلى أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يملك تأثيراً على الساحة الفلسطينية.
وعرض مشعل بصراحة استعداد الحركة «لهدنة مدتها 10 سنوات مع إسرائيل، وخلال هذه المدة سيصار إلى بناء دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة الفلسطينية عام 67، وبعدها سيكون الأمر عائداً للأجيال المقبلة اتخاذ القرار بشأن المستقبل».
عرض مشعل، الذي لا يزال يتردّد إلى اليوم على لسان أكثر من مسؤول في «حماس»، ولا سيما المستشار السياسي لهنية أحمد يوسف، يحمل إشارة إلى البند الثاني في قائمة الشروط الدولية، وهو بند «الاعتراف بإسرائيل».
إلى اليوم لا تزال الحركة الإسلامية ترفض الاعتراف رسمياً بإسرائيل، إلا أنه اعترف ضمناً بالدولة العبرية بدءاً من الحديث عن الدولة الفلسطينية على حدود 1967، وصولاً إلى إقرار بـ«الأمر الواقع» كما أعلن مشعل نفسه في حديثة إلى وكالة «رويترز» العام الماضي، حين أعلن «أنا الفلسطيني اليوم أتحدث عن مطلب فلسطيني عربي بأن تكون عندي دولة على حدود 67، وصحيح أن النتيجة بالأمر الواقع أن هناك كياناً أو دولة اسمها إسرائيل على بقية الأراضي الفلسطينية... هذا أمر واقع»، إلا أنه استطرد «أنا لا أتعامل مع هذا الأمر الواقع من منطلق الاعتراف أو الإقرار به».
الشرط الدولي الثالث أيضاً كان له نصيب من القبول الموارب من حركة «حماس»، التي أقرّت في اتفاق مكة مع السلطة الفلسطينية في شباط عام 2007 بـ«احترام عام للشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة في عملية السلام، استناداً إلى الحقوق الوطنية والمصالح العليا للشعب الفلسطيني ووثيقة الوفاق الوطني».
ورغم الإقرار الضمني لـ«حماس» بالشروط الدولية، فإنها لم تمض إلى النهاية في براغماتيتها، ولا سيما أن «تنازلاتها» لم تحظ بالقبول الدولي والترويج العربي. وفي الوقت نفسه هي لا تزال متردّدة في المضي إلى النهاية في مقاومتها، رغم ما تتعرض له حالياً.
واليوم، الإعلانات المتضاربة حول التهدئة تعبّر أيضاً عن الإشكالية غير المحسومة لدى «حماس»، والتي يمكن وضعها ضمن استراتيجية «تأجيل المواجهة».