strong>بلغراد تبدأ «معركتها السلميّة» وروسيا تعيد النظر بعلاقاتها مع «الجمهوريات الانفصاليّة»
شهدت الساحة الدولية سباقاً دبلوماسياً محموماً على جبهة كوسوفو أمس، بين بلغراد المدعومة من روسيا والرافضة لاستقلال الإقليم، وبريشتينا المدعومة من الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الكبرى التي تسعى إلى تأمين اعتراف دولي باستقلالها، الذي بدا أنه أحدث انقساماً داخل الاتحاد الأوروبي بعدما فشل وزراء خارجيته في الاتفاق على موقف موحّد من الاعتراف أو عدمه، ففضّلوا ترك الحرية لكل دولة.
وأعلن قادة كوسوفو أنهم راسلوا زعماء 192 دولة يطالبون فيها بالاعتراف باستقلال بلادهم، ومن ضمنها صربيا وروسيا. وأكد رئيس الوزراء الكوسوفي هاشم تاجي، خلال أول اجتماع تعقده حكومته بعد الاستقلال، أن «الاعتراف الرسمي هو مسألة دقائق أو حتى ساعات مقبلة».
في المقابل، أعلن وزير الخارجية الصربي، فوك يريميك، أن بلاده «ستستخدم كل الوسائل الدبلوماسية لمنع الإقليم من نيل الاعتراف الدولي»، وقال: «ما دامت صربيا عضواً في الأمم المتحدة، وفي منظمة الأمن والتعاون الأوروبية، وفي مجلس أوروبا، فإن ما يسمى دولة كوسوفو لن تستطيع دخول هذه المؤسسات».
وفي خطوة تصعيدية أخرى، اجتمع برلمان صربيا في وقت متأخر أمس، وأعلن أنه «يلغي رسمياً» إعلان استقلال كوسوفو.
كذلك وجه الرئيس الصربي، بوريش تاديتش، رسائل إلى المؤسسات الدولية ورؤساء الدول، يطالبها بعدم الاعتراف بالدولة الجديدة، منها رسالة إلى مجلس الأمن الدولي.
ورفعت وزارة الداخلية الصربية دعوى على قادة ثلاثة، هم: الرئيس فاتمير سيديو، ورئيس الوزراء هاشم تاجي، والمتحدث باسم البرلمان يعقوب كراسنيكي، بتهمة «ارتكاب عمل إجرامي ضد النظام الدستوري والأمن الصربي، والمشاركة في إعلان دولة زائفة على الأراضي الصربية».
لكن بلغراد أكدت أنها لا تنوي فرض حصار اقتصادي على كوسوفو، بحسب وزير التجارة الصربي بريدراغ بوبالو، الذي أضاف أن «إعلان الاستقلال الأحادي الجانب للمقاطعة الصربية الجنوبية (كوسوفو) لن تكون له تداعيات على العلاقات الاقتصادية».
وهاجم الجمهور الصربي الغاضب مساء أول من أمس العديد من سفارات وشركات الدول التي دعمت استقلال كوسوفو. كذلك تصاعد التوتر في المناطق الصربية داخل إقليم كوسوفو، حيث تظاهر الآلاف منهم في مدينة ميتروفيتشا مطالبين ببقاء مناطقهم تحت حكم بلغراد، فيما دمّر انفجار سيارة تابعة للأمم المتحدة في «زوبين بوتوك» على بعد 10 كليومترات من ميتروفيتشا. وقال المتحدث باسم الشرطة، بيسيم هوتي، إن الانفجار ناجم على الأرجح عن قنبلة يدوية.
وفي أولى إشارات «المعركة السلمية» التي وعدت بها بلغراد لاستعادة الإقليم، قام 320 رجل شرطة صربياً في كوسوفو بالاستقالة من الشرطة، ووضعوا أنفسهم تحت تصرف السلطات الصربية.
دولياً، تضاربت المواقف من استقلال الإقليم الصربي، وقال الرئيس الأميركي جورج بوش: «الكوسوفيون اليوم مستقلون... إنه أمر روجت له أنا وحكومتي». وأضاف أن «خطة (مبعوث الأمم المتحدة مارتي) اهتيساري هي دليلنا للتقدم». وأعلن البيت الأبيض في وقت لاحق أن الرئيس سيصدر بياناً اليوم يعلن فيه رسمياً الاعتراف بكوسوفو. وعلى الصعيد الأوروبي، لم يخرج وزراء الخارجية المجتمعون في بروكسل بموقف حاسم تجاه الاعتراف باستقلال كوسوفو، لكن الإعلان المشترك بعد الاجتماع أفسح المجال للدول التي تريد القيام بذلك.
وجاء في البيان أن «تاريخ النزاع في كوسوفو، وأعمال التطهير الإتنية والكارثة الإنسانية» التي سببتها صربيا في التسعينيات، تعفيها من القاعدة القائلة «إن تغيير الحدود الدولية يمكن الإقرار به فقط بالاتفاق بين جميع الأطراف».
وترك وزراء الخارجية الأوروبيون لكل دولة أن «تقرر بحسب ممارساتها الوطنية وقواعدها القانونية» حسم مسألة الاعتراف من عدمه باستقلال كوسوفو. وأشار البيان أيضاً إلى أن معاناة المجتمع الدولي للتفاوض على وضع نهائي للإقليم لم تفضِ إلى نتيجة بسبب المعارضة الروسية والصربية لاقتراح إعطاء كوسوفو سيادة تحت رقابة الأمم المتحدة.
وفور انتهاء الاجتماع، أعلنت دول عديدة اعترافها بالدولة الجديدة، أو عزمها على إعلان ذلك في اليومين المقبلين، ومنها فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا والدنمارك وفنلندا، فيما تشبثت دول أخرى بموقفها الرافض للاستقلال، ولا سيما الدول التي تخشى من حركات انفصالية في داخلها، مثل قبرص وإسبانيا وسلوفاكيا وأذربيجان وسريلانكا. كما أصدرت منظمة المؤتمر الإسلامي بياناً تعلن فيه دعم دول المنظمة الـ 57 لمسيرة استقلال كوسوفو.
وعلى الجانب الروسي، أكد البرلمان أن خطوة كوسوفو «تعطي روسيا كل الحق لإعادة هيكلة علاقاتها مع الدول التي تطالب بالاستقلال»، ولا سيما في الأراضي التي كانت تابعة سابقاً للاتحاد السوفياتي. وأضاف الإعلان الصادر عن البرلمان: «الآن والوضع في كوسوفو أصبح سابقة دولية، يجب على روسيا أن تأخذ سيناريو كوسوفو بالاعتبار عند التعامل مع النزاعات الإقليمية الحالية».
وكان نائب مدير الدائرة الأوروبية الرابعة في وزارة الخارجية الروسية ألكسندر بوتسان خراشينكو قد طلب من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون «توضيح موقفه» من المسألة و«الالتزام بميثاق الأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن الدولي 1244 حول كوسوفو».
بدورها، عبّرت وزارة الخارجية الصينية، على لسان المتحدث باسمها ليو جيناشاو، عن «قلقها العميق من الإعلان الأحادي الجانب لاستقلال كوسوفو»، الذي قد «يؤدي إلى نتائج يكون لها تأثير سلبي خطير على السلام والاستقرار في منطقة البلقان وعلى تحقيق بناء مجتمع متعدد العرقيات» في الإقليم.
(أ ب، د ب أ، أ ف ب، يو بي آي)

إن خطوة كوسوفو تعطي روسيا كل الحق لإعادة هيكلة علاقاتها مع الدول التي تطالب بالاستقلال، ولا سيما في الأراضي التي كانت تابعة سابقاً للاتحاد السوفياتي. الآن والوضع في كوسوفو أصبح سابقة دولية، يجب على روسيا أن تأخذ سيناريو كوسوفو بالاعتبار عند التعامل مع النزاعات الإقليمية الحالية