معمر عطوي
أظهرت وفاة المدير السابق لمكتب مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإمام الخميني، آية الله محمد رضا توسلي، السبت الماضي، مدى تعقيدات المشهد السياسي في النظام الإسلامي، الذي يعيش هذه الأيام مناخات الانتخابات البرلمانية والانتخابات التكميلية لمجلس خبراء القيادة
تتجلَّى تعقيدات المشهد السياسي الإيراني قبل الانتخابات التشريعية التي تجري في 14 آذار المقبل، من خلال تداخل الولاءات بين محافظين وأصوليين وإصلاحيين ومعتدلين. إذ إن بعض القريبين من الإمام الخميني، على غرار آية الله توسلي والرئيس السابق محمد خاتمي والرئيس السابق للبرلمان مهدي كروبي، وبعض أحفاد مؤسس الجمهورية هم في الجهة الإصلاحية من المشهد، التي تتحالف مع المعتدلين بزعامة الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني.
وربما كان الدليل الأبرز على تعقيدات هذا المشهد، الطريقة التي توفي بها توسلي (77 عاماً)، حين أصيب بأزمة قلبية أثناء توجيهه خطاباً احتجاجياً على «الهجمات» التي تتعرض لها أسرة الخميني، وخصوصاً بعد رفض طلب ترشيح حفيد الإمام الراحل، المهندس علي اشراقي، للانتخابات، الذي عادت لجنة صيانة الدستور وقبلت به.
لكن اللافت في هجوم توسلي «المُميت» هو انتقاده للمحافظين الذين من المفترض أن يكونوا أكثر تشدداً في الحفاظ على خط الإمام والتمسك بنهج الثورة.
لقد عبّر توسلي عن نمط جديد من الخطاب، بما يشير صراحة إلى أن الأصوليين ليسوا وحدهم من يدّعون «شرف» التمسك بنهج الإمام، بل أيضاً الإصلاحيون الذين يريدون التغيير كذلك، لكن من دون الخروج عن «الثوابت».
انطلاقاً من هذه الحدّة في الخطاب، وقف توسلي أمام مجلس تشخيص مصلحة النظام ليصف المحافظين، قبل دقائق من مفارقته الحياة، بقوله: «الظلاميون الذين يهاجمون أسرة الإمام الخميني وأفكاره...»، منتقداً في الوقت نفسه رفض طلبات بعض المرشحين. توسلي، الذي لازم الخميني لأكثر من 50 عاماً، لجأ إلى الإمام نفسه، مستخدماً إحدى رسائله التي كتبها في السنوات الأولى من الثورة الإسلامية، التي تدين «الظلاميين والرجعيين الذين يهاجمون عائلته وأقرباءه وأصدقاءه بحجة الدفاع عنه».
وكان توسلي، عضو رابطة رجال الدين المجاهدين (روحانيون)، قد ترشّح للانتخابات التكميلية لمجلس الخبراء التي تجرى في 14 آذار المقبل، عن محافظة طهران، لينافس باعتباره مرشح الإصلاحيين، آية الله مهدوي كني.
مما لا شك فيه أن وفاة آية الله توسلي، قد أظهرت بشكل واضح هذا التداخل على مستوى خريطة التحالفات السياسية، حيث يفترق المقربون من المؤسس عند منعطفات عديدة، كل بحسب فهمه لمبادئ الثورة.
هذا الأمر يؤكد أن الإصلاحيين والمعتدلين، الذين طرحوا شعار تصحيح السياسة الاقتصادية الفاشلة للرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد وتغيير دفة الأداء التفاوضي في الملف النووي المثير للجدل، ليسوا في وارد تغيير مبادئ الثورة، بل هم في صميمها ومن أشرس المدافعين عنها.
لعلّ ما يصب في هذا الاتجاه خطاب رفسنجاني، الذي أشاد بشخصية آية الله توسلي خلال مراسم تأبينه، مؤكداً أنه «دافع عن قيم الثورة حتى آخر لحظة من حياته».
ويبدو أن الخلاف بين توسلي ونجاد لم يكن يتعلق فقط بالمعركة الانتخابية، فقد سبق، منذ سنوات طويلة، أن كان الشيخ الراحل من أشد منتقدي جمعية «الحجَّتية» التي انتسب إليها نجاد في مطلع شبابه، وكان توسلي آنذاك يستهجن تحريم أعضاء هذه الجمعية للجهاد في البداية، وإيمانهم به في ما بعد.
وفي الواقع، فإن جمعية الحجتية أوقفت نشاطها في عام 1983، ولم يعد لها أي صفة رسمية، إلا أن موضوعها لا يزال مطروحاً رغم مرور تسعة وعشرين عاماً على انتصار الثورة. وهناك بعض الأقوال التي تفيد بأن ثمة عودة لنشاط هذه الجمعية التي كانت تؤمن بتوقف الجهاد حتى ظهور «الإمام الحجة» المهدي المنتظر.
ورغم انحسار الشعور بالتفاؤل وسط جبهة الإصلاحيين التي تضم 21 حزباً، عقب استبعاد أكثر من ألفي مرشح، إلا أنها لا تزال تنشط على صعيد الحملات الانتخابية. وضمت قائمة الإصلاحيين ـــــ المعتدلين، حزب «كوادر البناء» الذي يتزعمه شقيق رفسنجاني، محمد هاشمي، وحزب الثقة الوطنية برئاسة مهدي كروبي، وجبهة مجاهدي الثورة التي نشطت في عهد خاتمي، الذي يرأس حالياً جبهة المشاركة، أكبر الأحزاب الإصلاحية الرئيسية.
بأي حال، لا تزال مسألة رفض حوالى ألفي مرشح، نصفهم من الإصلاحيين، تسيطر على المشهد السياسي الإيراني، وتبعث القلق في صفوف معارضي الحكومة، بانتظار أن يبتّ مجلس صيانة الدستور مصير هؤلاء في الرابع من آذار المقبل. غير أن أقطاب المعارضة الثلاثة (رفسنجاني وخاتمي وكروبي)، الذين رفعوا شكوى بهذا الخصوص إلى آية الله علي خامنئي، لا يزالون يراهنون على تدخل المرشد الأعلى لإحداث توازن في الخريطة السياسية المقبلة لإيران، وخصوصاً أنه يدير بعناية لعبة التوازن هذه منذ توليه هذا المنصب في عام 1989.
لقد سبق لخاتمي أن وصف رفض الترشيحات بأنه «كارثة». إلا أن هذه «الكارثة» لم تنجح كما حدث في انتخابات عام 2004، بدفع الإصلاحيين إلى مقاطعة الانتخابات.
بالنتيجة، رغم حدّة المواجهة المُرتقبة بين التيارين، فإن الأمور لم تصل بعد إلى مرحلة انعدام الثقة، ولا سيما أن الإصلاحيين رفضوا دعوة مراقبين دوليين لمراقبة الانتخابات التشريعية، على اعتبار أنها «إهانة للمجتمع والمثقفين فيه». لعل هذا ما يجعل المشهد السياسي الإيراني معقداً، وما يشير إلى حصول تغييرات طفيفة في الخريطة الحزبية بما يضمن بقاء هذا التوازن.