وائل عبد الفتاح
«لن يبقى لنا إلا التظاهرات، فهل سيتركوننا نصرخ بدل أن ننفجر في بيوتنا؟»

«لا بد أن تكون أحمد عز لتستطيع الحياة في مصر». هذه حكمة الخبراء وتصوراتهم عن الحياة في ظل انفجارات اجتماعية تلقي بالملايين خارج حدود الحياة الكريمة، بينما تعيش شريحة صغيرة معيشة فوق الخيال.
أحمد عز هو رمز هذه الشريحة بثروته ونفوذه واقترابه أيضاً من أضيق دائرة في صناعة القرار. هو أسطورة من أساطير نظام حسني مبارك، يتخيّله الناس وراء كل مصائبهم. يذكرون اسمه مع كل مشروع غامض أو قرار اقتصادي أهدافه غير معلنة أو إخلاء لسكان فقراء من منطقتهم.
أحمد عز هو الرجل الغامض وراء كل شيء. تحكي مصر كلها حكايته التي انتقل فيها من شخص عادي إلى «ملك مصر غير المتوّج»، كما تصفه الصحافة الساخرة، من صعوده السياسي إلى حصوله على لقب «عدو الشعب الرقم واحد»، بحسب تصنيف جماعة «مواطنون ضد الغلاء»، التي ستقيم الأسبوع المقبل محاكمة شعبية لأحمد عز الذي رفع سعر حديد التسليح أكثر من ٦٥٠ جنيهاً (١٣٠ دولاراً تقريباً) على الطن خلال شهر واحد.
وترى الجماعة، التي تألّفت نهاية العام الماضي، أن هذه الزيادة حققت لعز أرباحاً تصل إلى ثلاثة مليارات و٤٠٠ مليون جنيه (أكثر من مليار دولار)، وهي «نسبة لا يمكن لنشاط صناعي أن يحققها إلا في دولة تغيب عنها الرقابة الحكومية».
وأقصى تفكير للدولة أن ترفع الحد الأدنى للأجور من ١٠١ جنيه (٢٠ دولاراً تقريباً) إلى ٤٥٠ جنيهاً (٨٠ دولاراً تقريباً). إنها العدالة الغائبة أو إدارة الدولة لمصلحة أشخاص تحوّلوا مع ضيق الدائرة إلى «ملّاك البلد».
عز مهندس برع في صناعة النفوذ السياسي الذي أتاح له احتكار حديد التسليح، وتكوين ثروة هائلة كانت وراء احتكاره للنفوذ. فهو شريك جمال مباك في الصورة. لا مكان للفقراء أو للأبعاد الاجتماعية في المشاريع السياسية للمجموعة المحيطة بجمال مبارك، وكلّهم من أصحاب الملايين، وهم القوة الحاسمة في مصر ومصلحتهم فوق أي مصلحة.
هناك الآن خريطة لتطوير مدينة القاهرة يُخلى منها الفقراء وأصحاب المساكن الفقيرة إلى أحزمة بؤس جديدة تزاحم من بعيد مستعمرات الأثرياء في الضواحي. هذه فوضى تنتزع الفقراء من قلب العاصمة.
غريزة التملّك الوحشية تسيطر وتعيد تشكيل المجتمع المصري بقانون الاقتصاد. هذا يبشّر بـ«ثورة جياع» في رأي علماء الاجتماع والاقتصاد، أو «ثورات رعاع» يخرجون من مئات العشوائيات ليحتلوا العاصمة. توقعات تقاس على تجارب تاريخية. لكن ما يحدث في مصر «ثورات خبز صغيرة» لا تشبه انتفاضة ١٨ و١٩ كانون الثاني ١٩٧٧. أول من أمس فقط خرج الآلاف في ٥ مدن مصرية من قطاعات متباينة تصرخ من عواصف الغلاء. أكبر هذه التظاهرات كانت في مدينة المحلة الكبرى، القلعة الصناعية وصاحبة أشهر اعتصام عمالي العام الماضي. خرج ١٠ آلاف متظاهر يحملون أرغفة الخبز ويهتفون «مبارك ظالم» و«اربط أجري بالأسعار... العيشة بقيت مرة مرار».
وتشير تقارير التنمية البشرية إلى أن الأشخاص الذين يقل دخلهم اليومي عن دولار واحد ( 5.8 جنيه يومياً، أي 174 جنيه شهرياً) هم فقراء ويقدّر عددهم بنحو 2.1 مليون شخص، وقد ارتفع عددهم بنحو 205 آلاف شخص. وبالنسبة إلى من يقل دخلهم اليومي عن دولارين ( 11.6 جنيه يومياً، أي 348 جنيه شهرياً) فيقدّر عددهم بنحو 35.8 مليون شخص. وخلال الفترة الماضية، انخفضت مداخيل 7.8 مليون إلى مستوى أقل من دولارين يومياً.
والخلاصة أن أغنى 20 في المئة من السكان يحصلون على 43.6 في المئة من الدخل القومي، بينما أفقر 20 في المئة لا يحصلون سوى على 8.6 في المئة من هذا الدخل.
وهذا سر ارتفاع حدة مظاهر الغنى الفاحش في الشوارع بشكل اعتيادي، حتى إن شركة سيارات أعلنت عن تقسيطها للسيارة الهامر الأميركية، وسعرها في مصر يتجاوز مليون جنيه، أي ما يعادل ٢٠٠ ألف دولار، ما يساوي راتب موظف على مدى خمسة أعوام.
وهذه «عدوى مظاهر الثراء الفاحش»، كما قال رجل في كوخ لبيع السجائر أعجبته فكرة ارتفاع الحد الأدني للأجور، لكنه نظر إلى بضاعته وقال: «أي ارتفاع لن يغطّي المصاريف. هذا البلد للأغنياء فقط». وأكمل: «لن يبقى لنا إلا التظاهرات. هل سيتركوننا نصرخ بدل أن ننفجر في بيوتنا؟».
الرجل الخبير بالدنيا لخّص أحوال مصر بين تظاهرات الفقراء ومظاهر الأغنياء.