strong> ربى أبو عمّو
تمثّل سابقة الاستقلال الأحادي الجانب لإقليم كوسوفو الصربي نقطة بداية أميركية نحو توسيع نفوذ واشنطن في مناطق البلقان والقوقاز ودول أوروبا الشرقية، للاستفادة من ثرواتها النفطية، وتطويق روسيا عبر تشجيع الأقليات على الانفصال. ومن الممكن أن تكون البداية من الشيشان، حيث قد يفاجأ الدب الروسي بمكر الذئاب الشيشانية، رغم اعتقاده بأنه احتواها.
«في ليلة مولد الذئب خرجنا إلى الحياة، وعند زئير الأسد في الصباح سمونا بأسمائنا، وفي أعشاش النسور أرضعتنا أمهاتنا». بهذه العبارة يبدأ النشيد الوطني الشيشاني. ويمثّل الذئب بالنسبة إلى الشيشان رمزاً كرّس خروجهم إلى الحياة، بل أكثر من ذلك. فهناك علاقة روحانية تظلّل الذئب القوقازي وشيشان الشمال.
ويأخذ الشيشان من صفات الذئب أسلوب حياة. هذا الذئب لم يروّض حتى الآن في أي سيرك، ولا ينازل حيواناً إذا كان أقل منه قوة، ويضحّي بحياته من أجل أولاده، ولا يأكل ما لا يصطاده. هذه العلاقة تجلّت في الكثير من القصص، كانت إحداها اختفاء هذه الذئاب من السهول والجبال الشيشانية بعد نفي الرئيس السوفياتي جوزف ستالين الشعب الشيشاني من عام 1944 إلى عام 1957، لتعود بعودتهم.
هي مجرّد قصة، ومهما كانت الحقيقة، فالمهم أن الشيشان يرسمون صورتهم أو هويتهم الشخصية من خلال الذئب. ومن هنا كانت المقولة: «من الصعب أن تكون رجلاً شيشانياً لما في ذلك من أعباء يجب على الرجل تحمّلها».
ويشعر الشيشان بأن استقلال إقليم كوسوفو هو بمثابة خريطة الطريق الجديدة التي سيسلكونها للانفصال عن روسيا. ففي خضم ضجيج الاحتفالات الألبانية والصراع الدولي على الاعتراف أو عدمه، يسمع صدى صوت الشيشان من جديد. هؤلاء الذين لم تنته قصتهم مع روسيا حتى اليوم.
فبعد إعلان الإقليم استقلاله، رحّب متمرّدو الشيشان، الذين خاضوا ثورات عديدة للانفصال عن روسيا، بالخطوة الكوسوفية، مقارنين بين معركة بريشتينا ضد الصرب، ونضالهم ضد موسكو. وغالباً ما تعاطى المجتمع الدولي مع الصراع الدائر بين الروس والشيشان، أو بين الدب والذئب بصورة رمزية، باعتباره شأناً روسياً داخلياً، وخصوصاً بعدما كرّست روسيا «صورة الشيشان الإرهابيين». إلاّ أن الأمور اليوم باتت تسير في منحى مختلف.
وبالعودة إلى تاريخ الصراع الروسي ــــ الشيشاني، الذي يسبق التسعينيات بكثير، يمكن القول إن «المقاومة» المدنية والسياسية ضد روسيا بدأت في عام 1940 بقيادة الكاتب الشيوعي، حسن إسرائيلوف، ومحام شيوعي هو، مايربيك شريبوف، واستمرت حتى عام 1942، قبل أن يُقضى عليها بقصف جوي ومدفعي لمناطق الشيشان.
وفي الحرب العالمية الثانية، نفى ستالين مئات الآلاف من الشيشان عن أراضيهم، ليعودوا بعد وفاته وتسلّم نيكيتا خروتشوف الحكم السوفياتي عام 1957. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، أعلن الزعيم الشيشاني جوهر دوداييف استقلال الإقليم، ما أشعل الحرب بينهما من عام 1994 حتى عام 1997، لتستأنف عام 1999، وهي مستمرة حتى اليوم.
ترفض روسيا منح الشيشان الاستقلال، فهي تخشى حدوث المزيد من الفوضى في المنطقة المتاخمة لحدودها، إضافة إلى سيطرة المتشددين الإسلاميين على الشيشان بعد نيلهم الاستقلال، هذا عدا عن الثروة النفطية الموجودة في منطقة القوقاز. واستباقاً لهذا الاحتمال، كان لا بدّ للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وخصوصاً بعد أحداث 11 أيلول ومشاركته في التحالف الدولي ضد الإرهاب، من التركيز على اعتبار المقاتلين الشيشان جزءاً من الإرهاب العالمي لكسب تأييد المجتمع الدولي لسياسته المتّبعة في هذا الإقليم.
وفي السنوات الأخيرة، بدأ الموقف الغربي يتغيّر حيال روسيا بشأن الوضع الشيشاني، كما أن منظمات حقوق الإنسان أدانت الانتهاكات الإنسانية التي يمارسها الطرفان، إذ لم يعد الأمر شأناً داخلياً. فبعدما وافقت الولايات المتحدة على إطلاق صفة الإرهاب على بعض الحركات الشيشانية وتبرير العمليات الروسية ضدها، بهدف تبنّي روسيا موقفاً حيادياً تجاه قرار الحرب على العراق، تراجعت عن موقفها لإدراكها أهمية السيطرة على منطقة القوقاز وآسيا الوسطى لأهميتهما الاستراتيجية والنفطية، ولتطويق روسيا من خلال السيطرة على بلدان أوروبا الشرقية. فالطريق نحو القوقاز وروسيا يختصر بالشيشان وجورجيا.
اليوم، تنقسم الشيشان بين موالين لروسيا وراغبين في تحقيق الاستقلال، تدعمهم الولايات المتحدة. وأمام سابقة كوسوفو، تلجأ موسكو إلى تصعيد حملتها العسكرية على الشيشان حتى لا تمنحهم «الفرصة الكوسوفية».
الخسارة مرة جديدة ومنح واشنطن ورقة بسط نفوذها على العالم وتجاهل الموقف الروسي أمور غير مقبولة. ولا شكّ في أن «الدب» الروسي لن يوفّر فرصة لقمع «ذئاب» الشيشان وغيرهم.