إيلي شلهوب
خطت باكستان، على ما يبدو، خطوتها الأولى نحو مرحلة من الاستقرار المحكوم بتوازنات دقيقة تستعر تحتها عداوات الماضي وتحالفاته. استقرار جهدت الولايات المتحدة، بالترغيب حيناً والترهيب أحياناً، لتوفيره تحت عنوان حماية «القنبلة الإسلامية» وضمان مصالحها الأمنية.
خطوة تجلّت بعملية اقتراع «سلمية»، أعادت رسم الخريطة السياسية للبلاد، ومعها الخطاب السياسي للفاعلين الأساسيين فيها. يمكن تلخيص نتائجها على الشكل الآتي:
• إعلان بداية النهاية لحكم الرئيس برويز مشرّف. نهاية قد تكون بإطاحته داخل البرلمان، حيث يمتلك نظرياً 38 مقعداً من أصل 268، أو باستمراره في منصبه مقيداً بمجلس تشريعي «معادٍ».
• عودة السلطة، بمعناها العملاني، إلى رئيس الوزراء «المنتخب ديموقراطياً»، على رأس حكومة يتوقع أن يؤلفها حزبا بنازير بوتو (87 مقعداً) ونواز شريف (66 مقعداً).
• تحييد العسكر، ذوي اليد الطولى في البلاد. تحييد بدأ مع تنحّي مشرّف عن قيادة الجيش. أكده رئيس الأركان الجديد اشفاق كياني مراراً وتكراراً. وعبّر عن نفسه بغياب الاتهامات لـ«بقايا أجهزة الجنرال ضياء الحق» بالتدخل في الانتخابات الأخيرة. لكن من دون أن يعني ذلك خروج هذه المؤسسة النافذة من المعادلة السياسية.
• إعادة المشروعية الشعبية للنظام الحاكم، بتكريس وجهه «المدني». وذلك رغم مقاطعة العديد من الأحزاب والأطراف الفاعلة لعملية الاقتراع.
• تباين في مقاربة الحكام الجدد للملفات الرئيسة في البلاد (إطاحة مشرّف، وعودة القضاة المقالين إلى مناصبهم...).
• مقاربة جديدة لكيفية المضي في المعركة ضد «الإرهاب». مقاربة تعتمد مبدأ الحوار أساساً، وتولي المهام العسكرية إلى شرطة الأقاليم دون الجيش، وتستهدف جعلها معركة باكستانية صرفاً، لا نيابة عن أميركا.
انتخابات استعادت باكستان، هذا البلد الشهير بتناوب العسكر والمدنيين على السلطة فيه، على أثرها توازنات ما قبل انقلاب عام 1999. توازنات تحكمها الضوابط التالية:
• ثأر آصف علي زراداري من نواز شريف، الذي سجنه لمدة ثماني سنوات بتهم فساد. وثأر شريف من مشرّف الذي أطاحه في الانقلاب المذكور.
• تعاطف أجهزة الاستخبارات وشريحة واسعة من العسكر مع الحركات الإسلامية، التي نشأت وترعرعت في كنف المؤسسة العسكرية. وعداء هذه المؤسسة للحكام المدنيين، وخاصة لعائلة بوتو التي لها ثأر مع الجنرالات لمقتل أبيها، ومع الإسلاميين المتهمين بقتلها.
• طبقة وسطى يزداد عديدها يوماً بعد يوم، مزاجها ليبرالي، وتدفع باتجاه مزيد من الحريات الفردية، الاقتصادية منها والسياسية.
• تركيبة سكانية، الشريحة الأكبر فيها لمن هم في عمر حمل السلاح (30 إلى 40 في المئة من الذكور تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً)، يتوقع أن تزداد اتساعاً مع بلوغ الأطفال سن الرشد العسكري. شريحة تتميز ببؤس اقتصادي ونزعة محافظة... ودينية.
• تناقضات مناطقية وعرقية وتوزع للنفوذ والثروة انعكسا نزعات انفصالية تزداد حدّتها عند كل منعطف.
• المصالح الأميركية في القضاء على «الإرهابيين» المتمركزين في منطقة القبائل المحاذية للحدود مع أفغانستان، وحماية الترسانة النووية الباكستانية.
لا شك في أن التركيبة الجديدة منحت باكستان جرعة مسكّنة تقيها شر تفاقم أمراضها المزمنة، بانتظار الصدام الأول بين رأسي السلطتين المدنية والعسكرية، وترجمته الميدانية، انقلاباً... أو انهياراً.