strong>حسام كنفاني
هل حان وقت المواجهة بين «حماس» و«جيش الإسلام»؟ هذا التساؤل يستحوذ على الاهتمام في غزة اليوم، بعد البيان الناري لـ«جيش الإسلام» الذي توعّد بمقاتلة الحركة الإسلامية، التي كانت إلى الأمس القريب حليفاً أساسياً لهذه الجماعة السلفية. حتى من الممكن القول إن «جيش الإسلام» صنيعة «حماس» نفسها في مرحلة من المراحل خلال الأشهر الماضية

لا يمكن «حماس» اليوم التنصل من مسؤوليتها عن تعاظم قوة «جيش الإسلام» داخل غزة، سواء عبر التغاضي عنها أو التآمر معها وإشراكها في عملية «الوهم المتبدّد» لخطف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في حزيران 2006، رغم أن ميول «السلفية الجهادية» كانت واضحة للعيان من البيان الأوّل لـ«جيش الإسلام»، الذي كان يشير حتماً إلى ارتباطات من غير المفترض أن تتوافق مع توجهات «حماس».
وإلى اليوم، لا يزال موقف «حماس» متخبطاً في العلاقة مع «جيش الإسلام»، الذي بدأت الأزمة معه منذ خطفه لمراسل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) الاسكتلندي، ألن جونستون. ففي تلك الفترة، صدر تصريحان متناقضان للقيادي في «حماس»، أيمن طه عن العلاقة بين الطرفين. قال في الأوّل إن العلاقة «انتهت منذ فترة، لأن جيش الإسلام نحا المنحى التكفيري». إلا أنه في وقت لاحق أكّد أنّ حركته «لم تقطع اتصالاتها مع التنظيم الإسلامي السلفي»، مشيراً إلى أن «العلاقة جيدة ونعتبر جيش الإسلام فصيلاً مقاوماً».
الحركة تقرّ إذاً بأنها كانت على علاقة مع «جيش الإسلام»، لكن المعلومات تشير إلى أنها كانت الحاضن الأساس لهذه المجموعة، التي نشأت مع الانشقاق الذي وقع في صفوف «لجان المقاومة الشعبية». ممتاز دغمش، الذي عمل في السابق حارس بوابة في الأمن الوقائي، كان بين المنشقين. وبما أن ميولاً إسلامياً كانت ظاهرة على دغمش وجماعته، وجدت «حماس»، بوصفها حركة ذات امتدادات إسلامية، أن من واجبها حمايته. وبحسب المعلومات، فإن القيادي في «حماس» محمود الزهار هو من رشحه وقربه من الجناح العسكري للحركة.
حماية كرستها عملية «الوهم المتبدّد»، التي طرحت «جيش الإسلام» كأحد فصائل المقاومة المستجدّة على الساحة الفلسطينية. كل هذا بعلم ورضى وتغطية «حماس»، التي يشاع أنها استخدمت «جيش الإسلام» لتنفيذ عمليات داخلية، وهو ما دعّمه بيان لممتاز دغمش يعلن فيه التنسيق مع «حماس» لتنفيذ خمس محاولات لاغتيال القيادي في «فتح»، محمد دحلان، ولا سيما أن التنظيم عرف عنه العمل لأكثر من طرف، وبعض الأوساط تحمّله مسؤولية اغتيال المدير العام السابق للأمن العام الفلسطيني موسى عرفات وقتل أطفال العقيد بهاء بعلوشة لحساب سمير المشهراوي، الذراع الأيمن لمحمد دحلان.
لكن «حال الوئام والدعم» لم يستمر طويلاً مع بدء الخلاف بين الأطراف المشاركة في أسر شاليط على أحقية الاحتفاظ به، رغم أن المتداول في غزة أن القيادي في لجان المقاومة الشعبية، جمال أبو سمهدانة، كان المخطّط للعملية.
«حماس» اشترت حصّة «جيش الإسلام» بشاليط بـ150 ألف دولار، بحسب مصادر مطلعة في غزة، غير أن ممتاز دغمش عاد ليطالب بـ 5 ملايين دولار، وهو ما رفضته «حماس»، فكان اختطاف جونستون لأكثر من خمسة أسابيع في حي الصبرة في غزة، الذي يطلق عليه أيضاً اسم «تورا بورا» نظراً لصعوبة الدخول إليه.
إطلاق جونستون تمّ في إطار صفقة بين «جيش الإسلام» و«حماس» تندرج أيضاً في إطار الغطاء الذي أمنته الحركة الإسلامية لهذا التنظيم الجهادي. الصفقة تنص على عدم التعرّض لعناصر التنظيم، في مقابل أن يكفّوا عن عمليات العنف التي كانوا ينفذونها في إطار مشابه لـ«هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» السعودية، إذ استهدفوا في أكثر من مناسبة مقاهي الإنترنت وقتلوا نساء بتهمة «سوء الأخلاق».
غير أن الاتفاق لم يصمد، ولا سيما أن قضية ثأر لا تزال قائمة بين «حماس» وآل دغمش عندما قتلت الحركة الإسلامية اثنين من أبناء هذه العائلة من ناشطي «فتح»، هما محمود وأشرف دغمش. عندها أقسم ممتاز على الثأر لمقتلهما.
وعادت الأزمة بين الاثنين لتتفجر على خلفية الاعتداء على المدرسة الأميركية في غزة ومكتبة جمعية الشبان المسيحية، ومحاولة خطف صحافيين بريطانيين. أحداث تشير المعلومات الأوليّة المتوافرة لدى «حماس» إلى أن معتز دغمش، الشقيق الأصغر لممتاز، هو من يقوم بها.
ويبدو أن «حماس» لم تعد تستطيع السكوت عن أعمال دغمش وجماعته، التي يقدّر عددهم بنحو 1500 شخص، ولا سيما أنه بدأ فعلياً بتهديد سيطرتها على قطاع غزة. إلا أن خيارات الحركة محدودة، وهي إما المواجهة مع التنظيم، وهي حاولت ذلك مع بداية سيطرتها على غزة وفشلت. والمحاولة الجديدة اليوم قد تكون أعقد لأكثر من اعتبار، أبرزها أن عديد التنظيم ازداد بعد فتح الحدود مع مصر الشهر الماضي والأنباء عن دخول مئات «الجهاديين»، بمعرفة «حماس»، إلى قطاع غزة والتحاقهم بـ«جيش الإسلام» بعد رفضهم من «كتائب القسّام». وبالتالي فأي عملية من هذا النوع قد تكلّف خسائر كبيرة في الأرواح، وخصوصاً أن منطقة تمركز التنظيم معقدة، إضافة إلى انقلاب عناصر لـ«حماس» من آل دغمش عليها، ووقوفهم إلى جانب عائلتهم في «ثأرها».
والخيار الثاني قد يكون التغاضي عن التنظيم، وعقد اتفاق جديد يسمح له بالاستمرار والتوسّع تحت أعين «حماس»، وهو ما يمكن أن يعزّز شبهة علاقة الحركة الإسلامية بتنظيم «القاعدة». شبهة لا شك أن الحركة في غنىً عنها حالياً.
وبغض النظر عن أسلوب التعاطي مع التنظيم، فـ«حماس» اليوم مضطرة لحسم أمر ما صنعته يداها.