واشنطن ـ محمد سعيد
بعد الهزيمة الساحقة التي مُني بها الحزب الحاكم في باكستان في الانتخابات التشريعية، بدأت معركة «البقاء لبرويز مشرّف»، بقيادة واشنطن التي تدخّلت لدى الأحزاب الرابحة من أجل إبقاء حليفها، فيما أعلن حزب «الشعب» أن قراره الأول في الحكم سيكون طلب مساعدة دولية في التحقيق حول اغتيال زعيمته بنازير بوتو


قالت مصادر دبلوماسية مطلعة في واشنطن، أمس، إن السفيرة الأميركية لدى إسلام آباد، آن باترسون، دعت رئيس حزب «الشعب» بالنيابة، آصف علي زرداري، لدى لقائهما أول من أمس، إلى عدم إقامة ائتلاف حكومي واسع مع «حزب الرابطة الإسلامية ـــــ جناح نواز شريف»، الذي حل في المرتبة الثانية، والذي يصرّ على إزاحة الرئيس برويز مشرّف من منصبه وإعادة القضاة الذين عزلهم العام الماضي إلى مناصبهم.
كما أجرى القنصل العام الأميركي في لاهور، براين دي هنتس، لقاءات مع كل نواز شريف وشقيقه شهباز، وتبادل معهما وجهات النظر حول تشكيل الحكومة المقبلة. وقالت المصادر نفسها إنّ الإدارة الأميركية تتخوّف من تشكيل ائتلاف حكومي واسع، لأنّه سيؤدي إلى انضمام أحزاب صغيرة كانت في موقع المعارضة سابقاً، ما يعني أنّه سيستند إلى ثلثي مجلس النوّاب الجديد، ما من شأنه أن يُعطيه صلاحية إقالة الرئيس مشرّف وفقاً لنص المادة 47 من الدستور.
وتُريد إدارة الرئيس جورج بوش من قادة الأحزاب الباكستانية الإسراع في تشكيل حكومة جديدة وعدم إعادة القضاة المعزولين إلى مناصبهم خشية أن يعملوا على إزاحة مشرف من منصبه، وذلك من خلال فتح ملفات المخالفات الدستورية، التي ارتكبها خلال إعلان حال الطوارئ، إضافة إلى حسم مسألة مشروعية ترشّحه للرئاسة.
ولا شكّ في أن نتائج الانتخابات الباكستانية ألقت الضوء على الخلاف داخل الإدارة الأميركية بشأن أسلوب التعامل مع باكستان. وأشارت مصادر سياسية إلى بروز مثل هذا الخلاف بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية التي تدّعي أنّ الرئاسة تحاول وقف المدّ السياسي في باكستان. وأضافت المصادر أنّ البيت الأبيض والاستخبارات الأميركية تخشى من أن يؤدي إطالة أمد «الفراغ الحكومي» إلى تعميق الأزمة وتهديد «التقدّم» الذي تحقق في الانتخابات ومساعدة «المتشدّدين» الإسلاميين.
وفي موازاة الضغوط الأميركية، تمارس الرئاسة الباكستانية ضغوطاً من نوع آخر على حزب «الشعب» حتى يبتعد عن حزب نواز شريف في تشكيل حكومته الائتلافية، إذ فعّلت قضايا الفساد ضدّ كل من شريف وزرداري. وبدأت محكمة المحاسبة الوطنية في روالبندي بحث تهم الفساد الموجّهة إلى شريف وقرّرت أمس تأجيل الاستماع فيها إلى 28 من الشهر المقبل. كما بدأ محامو السلطة الباكستانية يمارسون ضغوطهم على الادّعاء السويسري لتحريك ملف قضية فساد متهم فيها زرداري بالاستيلاء على ستين مليون دولار.
وفي هذا السياق، يقول خبير في الشؤون الباكستانية إنّه «إذا رضخت المعارضة للمطالب الأميركية المتمثلة بالمحافظة على مشرّف في السلطة وعدم إعادة القضاة المعزولين»، فإن الأمر سيكون أشبه بـ«انتفاضة ضدّ ناخبيهم».
في المقابل، أكّدت مصادر مقرّبة من حزب شريف أن الأخير يتعرّض لضغط أميركي منذ فترة. ويبدو أن الضغوط الأميركية قد تؤتي ثمارها مع زرداري، الذي قال قبيل لقائه السفيرة الأميركية إن موضوع القضاة يعود إلى البرلمان الجديد، فيما لمّح مساعدوه إلى أن الحزب قد يسعى إلى تشكيل حكومة ائتلافية من دون نواز شريف إذا رفض الخطة الأميركية.
وقال المسؤول في الحزب، جويد لاغاري، إنه يمكن تأليف هذه الحكومة برئاسة حزب «الشعب» بمشاركة معتدلين من حزب «الرابطة الإسلامية» الموالي لمشرّف ومستقلين وأحزاب إقليمية.
إلا أنّ نتيجة الاجتماع الذي عُقد أمس بين مشرّف وزرداري من أجل الاتفاق على القضايا الأساسية موضع الخلاف بينهما، ولا سيما قضية خلع مشرّف وإعادة القضاة، أظهرت توافق الطرفين على تأليف الحكومة.
وقال شريف، بعد اللقاء، «لقد اتفقنا على برنامج عمل مشترك». وأضاف «سنعمل معاً على تأليف حكومة فدرالية وحكومات الأقاليم». وخاطب حزب «الشعب» قائلاً «سنضمن أن تكملوا فترة كاملة من خمس سنوات».
وأكّد شريف أنّ الحزبين تغلّبا على خلافاتهما في ما يتعلّق بإعادة القاضي افتكار تشودري إلى منصبه مباشرة، مشيراً إلى أنّه «من ناحية المبدأ، لا خلاف على إعادة القضاة. وسنعمل على الإجراءات في البرلمان».
من جهته، رمى زرداري، بعد اجتماعه مع شريف، ورقة ضغط إضافية على مشرّف معلناً أنّ «أول قرار سنتخذه بعد تسلّم الحكم سيكون طلب مساعدة الأمم المتحدة من أجل التحقيق في اغتيال بنازير بوتو».
وعن اجتماعه مع شريف، قال زرداري «هناك الكثير من المسائل التي يجب بحثها» بين الحزبين، مضيفاً «اتفقنا على أن نبقى معاً من ناحية المبدأ، وسنعقد عدداً من اللقاءات».
توافق، رغم ظهور بوادره، قد لا يحصل بهذه السهولة. وفي هذا السياق، قال محلل سياسي باكستاني، عن التحالف المرتقب في الحكومة بين حزبي «الشعب» و«الرابطة»، إنه سيكون «تحالف النار والمياه، إذا لم يجدوا الأرضية المشتركة للاتفاق عليها».
في هذا الوقت، نظّم المحامون تظاهرات حاشدة في ثلاث مدن باكستانية، إحداها أمام منزل افتكار تشودري الموضوع قيد الإقامة الجبرية منذ إعلان مشرّف حال الطوارئ في الثالث من تشرين الثاني الماضي، مطالبين بإعادة القضاة إلى مناصبهم.
وعندما حاولت الحشود فك اعتقال رئيس القضاة من خلال إزالة الحواجز بالقوة من حول منزله، استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريقهم واعتقلت ستة أشخاص.
وخاطب تشودري الحشود في كراتشي عبر الهاتف قائلاً «النصر القريب آتٍ». ولحشود لاهور قال «الأمة الباكستانية تمرّ في لحظات مصيرية الآن». وتابع «إذا خسرنا الفرصة، فلا أحد يستطيع بعدها أن يغيّر شؤون هذه الأمة أبداً».