نيويورك ـ نزار عبود
كثيرة هي الحلول الممنوعة في الشرق الأوسط، والوفاق اللبناني واحد منها، لكنه ليس الأهم. وفي ظل تشابك الشرق الأوسط، تُشدّ كل الخيوط في آن معاً لأن إفلات أحدها يفسد النسج الجاري لإنتاج «سجادة الشرق الجديد».
الإدارة الأميركية فشلت في التأثير على تقرير المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي، الذي قال قبل أسبوع، عقب تعرّضه لحملة انتقادات غربية مُنظّمة، «هناك معايير مزدوجة في العالم، لكن ليس في الوكالة». فجاء تقريره مخيّباً لآمال الدول الغربية التي لا تخفي استخدامها لمجموعة قضايا كأدوات في الحرب السياسية المستعرة.
الحملة الدبلوماسية ـــــ الإعلامية على وكالة الطاقة عبَّر عنها مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، دان غيلرمان، بالقول عشية صدور تقرير البرادعي «توقعاتنا وتوقعات عدد كبير من زملائنا في الأمم المتحدة ليست كبيرة وأخشى أن يخيب أملنا مجدداً بهذا التقرير».
وقبل صدور التقرير بيوم واحد، تقدَّم الثلاثي الأوروبي (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) بمشروع قرار إلى مجلس الأمن يطلب من الدول فرض عقوبات «غير إلزامية» على إيران. الهدف منه إبقاء الضغط مستمراً تمهيداً لخطوات أخرى خارج المجلس، أكثر منه لإلحاق أذى فعلي بالاقتصاد الإيراني.
ولعل الغاية من مشروع القرار، الذي كان موضوع بحث في واشنطن الاثنين الماضي على مستوى مديري وزارات الخارجية للدول (5+1)، وحسب رأي العديد من أعضاء مجلس الأمن، هي المحافظة على إنجازات سابقة. «القذيفة الصاروخية إذا توقفت عن الصعود تهوي»، حسب تعبير أحدهم.
الولايات المتحدة وحلفاؤها يدركون أن الدعم ضعيف لسيناريو يُشبه ذاك الذي مورس في الأشهر التي سبقت الحرب على العراق، وأن تقرير الاستخبارات الأميركية الصادر في كانون الأول الماضي عرقل مساعي تحشيد الدول لمواجهة الخطر الإيراني. وبالتالي فإن قراري مجلس الأمن الدولي 1737 و1747، اللذين صدرا بالإجماع في العامين الماضيين، سيفقدان مبرّر وجودهما إذا ما أكدت الوكالة براءة إيران من السعي لامتلاك سلاح نووي. الوكالة لم تستطع منح شهادة براءة تامة، لكنها لم تقل إن إيران ضالعة في أي شكل من أشكال النشاط العسكري النووي. وقرينة الإدانة تقع على عاتق المدّعي.
من هنا كانت أهمية إصدار قرار استباقي جديد يُبقي زخم الضغط مستمراً على طهران. قرار مهّدت له واشنطن بتقرير مستند إلى مصادر «معارضة إيرانية» قدّمته إلى وكالة الطاقة قبل صدور تقرير البرادعي بيومين فقط، يدخل في خانة «الوشاية» التي تتحدث عن «مشروع إيراني نووي سري خطير» تبحث الوكالة حالياً في صحّته.
الصورة في مجلس الأمن الدولي مختلفة اليوم عما كانت عليه في آذار الماضي عند صدور القرار 1747، إذ إن هناك مجموعة من الدول التي ذاقت لوعات الحصار والعقوبات الاقتصادية، ولا يسعها ممارسة الدور نفسه على دول أخرى. فالمجلس الجديد يضم ليبيا وفيتنام وأندونيسيا وجنوب أفريقيا. جُلّ هذه الدول عبّرت عن مواقف معارضة للعقوبات. عدا عن أن روسيا والصين، رغم موافقتهما المبدئية على قرار ملطَّف جديد، عارضتا بشكل قاطع استقلال كوسوفو وتشعران باستخفاف الدول الغربية بوزنيهما. وربما ينعكس التأزم الأخير في العلاقات الروسية ـــــ الأميركية على سير المشاورات في مجلس الأمن الدولي هذا الأسبوع.
واشنطن ومعها العواصم الأوروبية تريد إنجاز القرار بحق إيران هذا الشهر، حيث رئاسة مجلس الأمن لا تزال في يد بنما. وفي الشهر المقبل ستتولى روسيا الرئاسة، وفي جعبتها تركيز على الكثير من القضايا، في مقدمتها القضية الفلسطينية التي تريد أن تثيرها في وجه الولايات المتحدة بشدة رداً على الاستعجال في حسم ملف كوسوفو في تجاهل تام لرأيها.