أيلي شلهوب
تخوض الولايات المتحدة مغامرة انتخابية، قد تكون فريدة من نوعها، تهدد بوصول رئيس «ضعيف» إلى البيت الأبيض، يفتقد دعم النواة الصلبة في حزبه، لحكم بلد يشهد نسيجه السياسي انقساماً محورياً.
جون ماكاين، الذي بات شبه محسوم أنه سيكون المرشح الجمهوري إلى الرئاسة، يفتقد دعم التيارات اليمينية، التي تنظر إليه بعين الريبة، وترى أنه يفتقد الالتزام بقضاياها.

تأخذ عليه، من بين أمور كثيرة، عمله على تشريع يسمح للأقلية في الكونغرس بنقض تعيين سيد البيت الأبيض لقضاة المحكمة العليا، تلك السلطة التي ينظر إليها هؤلاء على أنها ضامن الحفاظ على الأخلاقيات الاجتماعية المحافظة (الإجهاض والمثليين ودور الدولة... ). إضافة إلى موقفه من الإصلاحات المالية ومن استصدار تشريع شامل للمهاجرين.
ريبة بلغت بهؤلاء حد تفضيل وصول ديموقراطي (غير هيلاري كلينتون) إلى البيت الأبيض على أن يشغله ماكاين، الذي اقتصر فوزه، في أوائل التمهيديات، على الولايات المعروفة تقليدياً بأنها ديموقراطية. فاز بدعم الوسط الجمهوري والمستقلين. أخطاء منافسيه وتكتيكاتهم الانتخابية غير المجدية إضافة إلى اقتناع الرأي العام بأن ماكاين هو الأكثر قابلية للفوز في الانتخابات النهائية والأكثر قدرة على الحكم وعلى التعامل مع كونغرس ديموقراطي، هي التي جعلته يتصدر المنافسة الجمهورية.
في المقابل، يبدو الحزب الديموقراطي منقسماً بين كلينتون وباراك أوباما، الذي حقق أخيراً مجموعة من النقاط جعلته يتصدر المنافسة، بفعل جهد جبار وشخصية كاريزمية وخطاب تغييري وتمويل كبير. انقسام لا مبالغة في القول إنه يهدد وحدة الحزب وبتكرار تجربة عام 1980 التي تم على أثرها تشكيل ما يعرف اليوم بالناخبين الكبار.
صحيح أن أوباما نجح أخيراً في اجتذاب الشرائح والتيارات الحزبية كافة إلى معسكره، وأن جهوداً حثيثة تُبذل حالياً لإقناع هيلاري بالإقرار بالهزيمة، من دون انتظار انتخابات ولايتي أوهايو وتكساس، اللتين تحتاج فيهما إلى فوز كبير للبقاء في السباق. لكن ذلك لا يخفي حقيقة أن هيلاري هي التي تحظى بدعم النواة الصلبة في الحزب الديموقراطي وأن أوباما، الذي فاز في المرحلة الأولى بالولايات المعروفة تاريخياً بأنها جمهورية، بدأ حملته بدعم الوسط الديموقراطي والمستقلين. وما الالتفاف حوله إلا بسبب قناعة تبلورت لدى الناخبين الديموقراطيين بأنه الأكثر قابلية للفوز في الانتخابات النهائية، رغم عدم ثقة شريحة واسعة من ناخبيه ومؤيديه بقدرته على الحكم في الداخل وعلى إدارة ملفات السياسة الخارجية، خلافاً لنظرتهم إلى منافسته.
الخطير في السباق الديموقراطي، يتمثل في تمسك كلينتون بالمحاولة حتى اللحظة الأخيرة، وترك الخيار النهائي للناخبين الكبار، مع ما قد يؤدي إليه ذلك من تشرذم يجعل الفائز، أياً يكن، محور انقسام داخل الحزب، يهدد فرصه بالفوز في الانتخابات النهائية، والتي باتت مهددة أصلاً مع إعلان رالف نادر عزمه الترشح مجدداً كمستقل (سبق أن أطاح ترشحه في عام 2000 آل غور).
في ذلك العام، فاز جورج بوش الابن بالانتخابات، التي أثارت جدلاً واسعاً قبل أن تحسمها قاعات المحاكم. دخل البيت الأبيض فاقداً لمشروعية، ساعدته أحداث 11 أيلول في استعادتها، بعدما أعلن «الحرب العالمية على الإرهاب» وأطاح طالبان أفغانستان وصدام العراق. كما ساعدته خلفيته الإيديولوجية في تأطير الصراعات العالمية في محورين (خير وشر) بما تناسب وآراء منظري صدام الحضارات.
من المثير معرفة كيف سيتصرف الرئيس المقبل لإثبات جدارته بالبيت الأبيض. صحيح أنه لن تكون لديه الخلفية التوراتية التي طبعت «عبقرية» بوش. لكن لا ضمانة لألا يكون بالعدوانية نفسها!