حسام كنفاني
ماذا لو استيقظ الفلسطينيون يوماً وقرروا بمعظمهم التوجه بتظاهرة سلميّة حاشدة إلى خطوط قطاع غزة والضفة الغربية مع إسرائيل؟
مثل هذا السيناريو يقلق إسرائيل، التي تدرس وسائل التعامل معه، وتطلق عليه وسائل إعلام إسرائيلية «سلاح يوم القيامة الفلسطيني». ولهذه الغاية، كان التأهب الأمني الإسرائيلي غير المسبوق يوم الاثنين الماضي حين قرّر الفلسطينيون تشكيل سلسلة بشرية، كان من المفترض أن تصل جنوب القطاع بشماله.
يومها اتخذ الجيش والشرطة الإسرائيليان تدابير أمنية استثنائية لمنع تكرار سيناريو معبر رفح مع مصر، عند معبر إيريز (المنطار) مع إسرائيل. ورفعت الشرطة مستوى تأهبها إلى درجة واحدة دون الدرجة القصوى ووُضع قناصة في المواقع المحاذية للحدود لرصد أي مسلحين فلسطينيين قد يشاركون في التظاهرة، فضلاً عن نشر بطاريات مدفعية لإطلاق القذائف الدخانية ووسائل لتفريق التظاهرات.
سيناريو التظاهرة ــــــ الاقتحام ليس طارئاً على الذهنية الإسرائيلية، فهو مطروح منذ أكثر من 40 عاماً، وتحديداً منذ الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية بعد حرب عام 1967. ويقول الكاتب في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، برادلي برستون، إن المسؤولين في الدولة العبرية «يعلمون بهذا السلاح، وكل جندي خدم في قطاع غزة يعرفه. القياديون يصلّون لعدم لجوء الفلسطينيين إليه». ويرى أن «الترسانة الإسرائيلية المدمرة والتكنولوجيا المتقدّمة لا يمكنها احتواء مثل هذا السلاح بفعالية».
والسلاح الذي يتكلمون عنه في إسرائيل لا علاقة له برمي الحجارة أو قنابل المولوتوف أو صواريخ «القسّام» أو العمليات الاستشهادية أو «الثورة حتى النصر». بل يلخصه برستون بعبارة واحدة «انهض وامشِ». مثل هذه النظرية مرتبطة حصراً بالطبيعة «اللا عنفية» لأي تظاهرة فلسطينية، وهي الصفة التي سعت وتسعى إسرائيل، سياسياً وإعلاميّاً وعسكرياً، حثيثاً إلى إسقاطها عن أي تحرّك شعبي فلسطيني، عبر تضخيم عمليات المقاومة، كما حدث أمس مثلاً؛ فالصحف الإسرائيلية صبّت جام اهتمامها على قتيل سديروت، حتى إنها أعادت فتح ملفات القتلى الـ 11 الذين سقطوا على مدى سنوات من إطلاق الصواريخ، متجاهلة الشهداء الـ11 الذي سقطوا في غزة أول من أمس فقط، وإن كان بينهم ثلاثة أطفال.
سلسلة الاثنين الماضي كانت من وجهة النظر الإسرائيلية اختباراً لمثل هذا السلاح. إلا أنها كانت اختباراً فاشلاً لأكثر من سبب، أولها عدم قدرة «حماس» على حشد ما يكفي من الفلسطينيين لتكرار نموذج رفح في إيريز. فرقم المشاركة كان يراوح بين 5 آلاف، بحسب المقربين من «فتح»، و40 ألفاً، بحسب مصادر المنظمين. والرقم في الحالتين لا يرقى ليكون سلاح «يوم قيامة» في شريط ساحلي يضم أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني، أي إن نسبة المشاركة لم تتعدَّ في أحسن الأحوال ثلاثة من المئة من عدد سكان غزة. والرؤية الإسرائيلية لفشل تظاهرة السلسلة مخالف لمنطق التعاطي الإسرائيلي مع الحركات الشعبية الفلسطينية منذ بدء الاحتلال. إذ يورد برستون أن سبب الفشل هو لجوء المتظاهرين إلى قذف الحجارة وإطلاق «حماس» صواريخ «القسّام» خلال تنظيم السلسلة، ليبرّر بذلك عمليات القمع واعتقال أكثر من خمسين مشاركاً عند معبر إيريز. مع العلم أن حالات القمع الإسرائيلي منذ الانتفاضة الأولى عام 1987 لم تكن بحاجة إلى مبرّر عنفي من الجانب الفلسطيني، ولا سيما أن الانتفاضة الأولى لم تكن مسلّحة.
الفشل الفلسطيني الأساس قد يكون في ضعف القدرة على التحشيد لدى أي طرف فلسطيني فاعل اليوم على الساحة السياسية والعسكرية، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، ولا سيما أن الانقسام والاقتتال ولّدا حالاً من اليأس والإحباط لدى الجمهور، الذي اعتكف في معظمه في غزة عن المشاركة في تظاهرتي القوة لـ «فتح» و«حماس» خلال الأشهر الماضية، إذ جمعت كل تظاهرة بالحد الأقصى نحو 150 ألف فلسطيني.
ورغم ذلك، لا تزال إسرائيل تبحث في أساليب مواجهة سلاح «يوم القيامة»، بانتظار قيامة فلسطينية جديدة قادرة على جمع الأطراف كافة في ظل قيادة موحّدة.