أرنست خوري
راكب الحصان آتٍ إلينا وبيده يلوّح بحبله. جون ماكاين يرفض أن يكسر القاعدة التي ثبّتت رؤساء الولايات المتّحدة، نماذج لتسطيح مبتذَل للسياسة، مفهوماً وممارسة. رؤساء اتّخذوا من الشعبويّة الجوفاء شعاراً لهم. عدد كبير منهم كانوا ممثّلين حقّاً في الحياة المهنيّة، ولم يغيّروا من مهنتهم شيئاً بعد تبوّئهم الحكم: رونالد ريغان نموذجاً. البعض الآخر كانوا قبل امتهانهم السياسة، يعملون في حيّز لا علاقة له بالتمثيل. بعد دخولهم البيت الأبيض، ظهر أنّ استعداداً فطريّاً خوّلهم ممارسة الكوميديا وإضحاك الناس: جورج بوش مثالاً.
تمنّى ماكاين من كلّ قلبه يوم الجمعة الماضي، أن يلاقي فيديل كاسترو قريباً، كارل ماركس. بكلام آخر، تمنّى له الموت.
ماكاين، المحارب والأسير السابق في فيتنام، مفتون بمغامرات أفلام «الأكشن». من يزُر موقعه الالكتروني، يظنّ نفسه في موقع مشترَك للجيش الأميركي ولطالبي الوظائف ولجمعيّة التضامن مع قيم العائلة. في التعريف المقتضَب عن المرشّح الجمهوري، الجزء الأطول من الأسطر مخصَّص لسرد كيف نجا مرّتين في العام نفسه (1967) من صواريخ الأعداء والأصدقاء وهو يقود طائرته فوق سماء هانوي، يزرع صواريخه الذكيّة في أجساد الفيتناميّين. ولأسره 5 سنوات في السجن الفيتنامي، قصّة أخرى. يخجل القيّمون على موقع جون الابن (والده اسمه جون أيضاً على طريقة المصابين بجنون العظمة حيث الأب يطلق اسمه على بكره)، أن يذكروا كيف توقّف التعذيب بحقّه فقط لأنّ سجّانيه عرفوا أنّ صيدهم ابن قائد أميركي رفيع، عُيِّن في 1968، قائد الجيش الأميركي في منطقة المحيط الهادئ. مثل ذلك الاعتراف قد يوحي أنّ الأسير السابق، استفاد من وضعيّة اجتماعيّة مهنيّة لعائلته، لكي يبقى على قيد الحياة، (الواسطة باللبنانيّة) بينما هذا الامتياز لم يُتَح للآلاف من الجنود الأميركيّين ممّن لم يولَدوا وفي فمهم معلقة من ذهب.
ماكاين يعرف أنّ حظوظه بالفوز في السباق الرئاسي، قويّة، لكن أيضاً أنّه قد لا يتحفنا برئاسيّاته لأربع سنوات في البيت الأبيض، لكون المنافسة الديموقراطية له قويّة للغاية. تحسّباً لاحتمال الإخفاق، يعمل جاهداً ليظهر «هضامته» وشعبويّته في الحملات. في المقلب الآخر، يجب تسجيل أنّ هذا المرشّح، الذي يفتقد دعم النواة الصلبة من محافظي الحزب الجمهوري، قد يكون الأقرب إلى عقول شارع واسع من الناخبين الأميركيّين العائمين. يعرف كيف يخاطبهم حسب نمط الحياة الأميركيّة. يريدون رئيساً يتصرّف ويتحدّث من دون كلفة ولا تصنّع، فهكذا يكون. يتمنّون رئيساً يزوّر التاريخ ليجعل الولايات المتّحدة صاحبة التاريخ الطويل في مسارات السلام والعدالة (قد تصل الأسطورة إلى تصوير أميركا الرائدة في محاربة التلوّث العالمي وهي أكبر ملوّث). الأميركيّون يريدون رئيساً يجد الأجوبة الناجعة عن الأسئلة المستعصية على عقولهم: كيف بقي رئيس اسمه فيديل كاسترو محاصَراً بشكل غير مسبوق في تاريخ العلاقات الدوليّة، على امتداد نصف قرن، ولم يسقط ولم يمت رغم محاولات الاغتيال الـ638 التي قامت بها أجهزة الاستخبارات الأميركية وعملاؤها الكوبيّون؟ كيف توالى 10 رؤساء على البيت الأبيض، أوّل أحلامهم بقي التخلّص من «ديكتاتور كوبا»، ورحلوا هم وبقي هو؟
لم يجد ماكاين، سوى الدّعاء لله أن يأخذ كاسترو. هتافات الحملة كانت مرتفعة للغاية في جولات ماكاين. لم يسمع صوتاً خافتاً يقول له «موتوا في غيظكم».