باريس ــ بسّام الطيارة
وقف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي منتعشاً، وهو ينظر إلى القاعة التي «حُشر فيها» ما يزيد على ٥٠٠ صحافي معتمد من شتى أنحاء العالم. رمقهم بشراهة «الوحش» الذي يستعدّ لالتهام فريسته. فقد أثبتت الأيام أنه أقوى بكثير من كل الوسائل الإعلامية، وأنه يعرف خباياها ويدرك حدود قوتها، وهو يريد أن يعرف الجميع أنه بعكس كل المسؤولين «لا يخاف الإعلام».
وهكذا، كان المؤتمر الصحافي أمس منازلة بينه وبين الصحافة الفرنسية بالدرجة الأولى. إلّا أنّه، رغم «الهجومية» التي تميّزت بها مداخلة ساركوزي و«ردوده العنيفة» في بعض الأحيان على الأسئلة الاستفزازية، فهو بدا «ضعيفاً» لا بل كما نقل عدد من الصحافيين الفرنسيين «ضعيفاً جداً بسبب عدوانيته في دفاعه عن نفسه».
ضعيف سياسياً، إذ إن «تفسيره للقطيعة» يعيد السياسة الفرنسية إلى «المسار الديغولي الصافي» كما قال أحد قياديّي حزب الرئيس الحاكم (تجمّع الحركة الشعبية) لـ«الأخبار». وقد زيّن ساركوزي «المداخلة ـــــ الخطاب» بالعديد من الأمثلة التي تشير إلى توجّه ديغولي في سياسة القطيعة التي يتّبعها؛ فهو تكلّم على إدخال نوع من «مشاركة العمّال في أرباح الشركات» و«حماية مصالح الصناعة الفرنسية»، ومنع صناديق الاستثمار الجشعة من «ابتلاع الصناعة الفرنسية الوطنية»؛ فالطرح الأول يصبّ في صميم «المشروع الديغولي الاجتماعي»، بينما الثاني كان في صميم معركة غريم ساركوزي، الشيراكي الديغولي الرئيس السابق للحكومة دومينيك دو فيلبان.
أمّا في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية، فإنّ فتح نادي الدول الغنيّة ليشمل كلاً من الصين والهند والبرازيل وأفريقيا الجنوبية، هو في النهاية «مقطع من الوصيّة السياسية لشيراك» في آخر خطاب له. وقد وسّع ساركوزي «العرض الفرنسي» بالمطالبة بانضمام بعض الدول إلى جانب ألمانيا واليابان إلى مجلس الأمن كأعضاء دائمين، ونادى بأعلى صوته بأنّ «فرنسا ستكون محامية لهذه الدول في المطالبة بمنظّمة منسجمة مع عالم اليوم».
وفي مجال الحركة الدبلوماسيّة الفرنسيّة، عرّج ساركوزي على محاولته إجراء حوار مع سوريا بشأن لبنان قائلاً: «لست نادماً على محاولتي مع سوريا، حتى وإن لم نحصل على نتيجة»، مضيفاً: «عندما لم يستجب السوريون لنداءات فرنسا، عمدت إلى إدانة تصرّفها». ووصف سياسته هذه بـ«دبلوماسية المصالحة» وربطها بسياسة «مدّ اليد لنظام (الرئيس الجزائري عبد العزيز) بوتفليقة و(الرئيس المصري حسني) مبارك»، متسائلاً ومجيباً في الوقت نفسه بأنه إذا لم تُمَدَّ يد المساعدة لهذه الأنظمة فإن «القاعدة ستحكم الجزائر» و«المتطرّفين المسلمين سيحكمون مصر.
والتوجّه الديغولي كان واضحاً أيضاً في الإشارة إلى «رغبته» في أن يكون لفرنسا «صوت فرنسي»، مشدّداً على التوجه لدمج القنوات التلفزيونية الفرنسية الموجّهة إلى الخارج، وملمّحاً إلى إمكان إلغاء البرامج باللغات الأخرى، ومنها العربية. وقال: «لأميركا الـ(سي أن أن) باللغة الإنكليزية، وللعرب (الجزيرة) باللغة العربية، لماذا لا يكون لفرنسا قناة قوية باللغة الفرنسية؟». وتطرّق في هذا المجال إلى مقاربة بين لبنان «بلد التنوع الثقافي» والديانات المتعدّدة، وإسرائيل، متجاهلاً أنّ حكّام تل أبيب يطالبون بالاعتراف بها دولةً يهودية.
ولم يستطع الصحافيّون الانتظار طويلاً لـ«رمي» السؤال الذي كان على كلّ لسان عن «احتمال زواج» الرئيس من كارلا بروني، فأكّد ساركوزي أن علاقته بعارضة الأزياء هي «علاقة جدية»، ملمّحاً إلى إمكان زواجه منها من دون أن تعلم الصحافة «إلا بعد حصوله».