بغداد ــ زيد الزبيدي
بينما تراوح مشاريع «المصالحة الوطنيّة» في العراق مكانها، أو تتراجع حتّى، يبدو اليوم أن هناك حاجة ملحّة للتصالح العربي ـــــ الكردي، إذ إنّ رزمة الملفّات الخلافيّة بين الطرفين تتّسع لتطال كلّ شيء تقريباً: من كركوك، إلى قانون النفط والغاز، وصولاً إلى الوضعيّة القانونيّة لقوات الشرطة الكردية البشمركة وموازنتها... وبهذا تصبح المصالحة أصعب بين العراقيّين العرب والأكراد، أكثر ممّا هي بين السنّة والشيعة.
ويرى معظم العراقيّين أنّ الحديث عن «المصالحة الوطنيّة»، هو مجرّد هواء في شباك، لأن أيّة جهة رسميّة لم تحدّد مفهوماً واضحاً للمصالحة، ومن هي أطرافها، في وقت تدور الحوارات فيه بين جهات متصالحة أساساً، وتجتمع حول المشاركة في العملية السياسية الحالية «المتعثّرة».
وتظهر يوماً بعد يوم إشارات إلى وجود حاجة فعلية إلى التصالح بين «القوى المتصالحة»، ولا سيما في إطار الاستقطاب القومي والعرقي، بعدما خفّت نسبيّاً موجة الاستقطاب الطائفي، وبدأت تطفو إلى السطح خلافات عصيّة بين القادة الأكراد، والمكوّنات الأخرى للمجتمع العراقي.
وإزاء الاستقطاب العرقي الجديد في بلاد ما بين النهرين، يبدو أنّ ما تتطلّبه المصالحة «العراقية ـــــ الكردية» اليوم، أكبر بكثير ممّا كانت عليه في عهد صدّام حسين، والتي قال القادة الأكراد إنّ سبب انهيارها عام 1991، كان موضوع كركوك فقط.
وقال رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني أخيراً إنّ إقليمه قدّم مذكّرة إلى الحكومة العراقية أعرب فيها عن القلق بشأن بعض النقاط العالقة مع الحكومة المركزيّة، وإنّ التزام بغداد الموعود حيال المسائل العالقة مع حكومة الإقليم «مثل المادة 140، وقانون النفط والغاز، وميزانية قوات البشمركة، لم يتحقّق حتّى الآن، وقد أعربنا عن قلقنا العميق تجاه عدم الالتزام بحلّ تلك المشاكل العالقة».
وبينما يبدو تطبيق المادّة 140، بحسب التفسير الكردي لها، صعب المنال، فإنّ ذلك يضع عشرات علامات الاستفهام حول السبب الحقيقي للخلاف بين البرزاني والرئيس جلال الطالباني من جهة، وبين صدام حسين من جهة أخرى، والذي أدى في 1991 إلى إنشاء الولايات المتحدة المحمية الكردية، وفي الإطار المعروف إدارياً قبل الاحتلال، ومن دون كركوك.
غير أنّ مسألة كركوك وقضم أراضي المحافظات الأخرى، ليست الفقرة الخلافية الأساسيّة. وتبرز النقطة الخلافيّة الأخرى بشأن تشكيلات البشمركة، وهي تشكيلات مخالفة للدستور المعترف به من القادة الأكراد، لأن البشمركة ينطبق عليهم وصف الميليشيات، ولا يمكن اعتبارهم جزءاً من القوات المسلّحة.
وتطالب إدارة إقليم كردستان بمبلغ 1.4 مليار دولار رواتب عن السنة الماضية للبشمركة (الذين وضعوا لنفسهم رقماً يُقدَّر بـ100 ألف عنصر)، من الميزانية المركزية لا من ضمن مخصّصات الإقليم البالغة 17 في المئة من الميزانية العراقية العامّة، رغم إقرار القادة الأكراد بوجود كيانين منفصلين حتى الآن للبشمركة: أحدهما في السليمانية تابع لحزب الطالباني (الاتحاد الوطني الكردستاني)، والآخر في أربيل تابع لحزب البرزاني (الحزب الديموقراطي الكردستاني). بمعنى أنّ هؤلاء البشمركة هم من منتسبي الحزبين لا من المنتسبين إلى القوّات المسلّحة العراقية.
ووسط النقاش حول مصير المادة 140، أقرّ برلمان كردستان «قانون البشمركة»، الذي ينصّ على أنّ رئيس الإقليم الكردي، هو «القائد العام للقوّات المسلّحة»، وهو ما يثير التساؤل عن المادة الدستورية التي تنصّ على أن رئيس الوزراء العراقي هو القائد العام للقوات المسلحة العراقية. وإضافة الى ذلك، يطالب الأكراد بمخصّصات ورواتب ومخصّصات أخرى تقاعدية، إضافة إلى المطالبة بالتجهيزات والمعدّات العسكرية والأسلحة.
ولعلّ الخرق الدستوري الأكبر، هو ما يتعلّق بتوقيع حكومة الاقليم على عقود شراكة نفطية مع شركات اجنبية، حتى قبل إقرار قانون مركزي للنفط والغاز. وفي السياق، أشار وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني إلى أنّ حكومة الإقليم «وقّعت خارج العراق 20 عقداً مع شركات اجنبية لاستثمار النفط في الاقليم، لا تعرف الحكومة المركزية عنها شيئاً، وهي تتنازل في هذه العقود عن نسبة من النفط». وأوضح أنّ السلطات الكردية منعت تنقيبات الوزارة في منطقة كركوك ومناطق أخرى، مشيراً إلى تصريح وزير الموارد الطبيعية في حكومة إقليم كردستان آشتي هورامي، الذي جاء فيه «كلما اعترض وزير النفط في بغداد على عقد من عقودنا، فإنني سأوقع عقدين إضافيّين».