واشنطن ــ محمد سعيد
أسفرت نتائج الانتخابات التمهيديّة لاختيار مرشّحي الحزبين الديموقراطي والجمهوري، في ولاية نيو هامشير الثلاثاء الماضي، عن منح هذه الولاية المرمريّة «قبلة الحياة» للديموقراطيّة هيلاري كلينتون وبتأخّر منافسها باراك أوباما قليلاً مع عزم لا يلين على الاستمرار.
السيدة الأولى سابقاً، فازت بالمركز الأوّل بين المتنافسين الديموقراطيّين بنسبة 39 في المئة، بفارق ضئيل نسبياً عن أوباما، الذي حلّ في المركز الثاني بنسبة 37 في المئة، رغم أن استطلاعات الرأي العام كانت قد منحته تقدماً كبيراً نسبياً على كلينتون لتجعله في مقدمة المتنافسين على ترشيح الحزب الديموقراطي، وخصوصاً بعدما فاز بترشيح ولاية أيوا.
وفي الجانب الجمهوري، انتهى السباق الذي خاضه 5 متنافسين بتقدم جون ماكين (71 عاماً) بنسبة 37 في المئة من أصوات الولاية، حيث صعد تقريباً على أكتاف الأصوات المستقلّة التي سبق وأهدته الفوز فى تمهيديّات عام 2000 في الولاية نفسها. أما ميت رومني (60 عاماً) فقد حصل على 32 في المئة، متلقياً ضربة أخرى بعد أيوا، على الرغم من استنزاف ملايين الدولارات من أمواله الخاصّة.
حاكم ولاية أركانساس، القس مايك هاكابي، الذي فاز في أيوا، حلّ ثالثاً بنسبة 11 في المئة من أصوات الجمهوريّين، وتلاه عمدة نيويورك السابق، رودي جولياني، ثم رون بول (72 عاماً) بنسبة 8 في المئة، والممثل والسيناتور السابق فريد تومبسون بنسبة 1 في المئة فقط.
وفيما وجّه فوز ماكاين صفعة أخرى لمنافسه المليونير رومني، الحاكم السابق لماساتشوسيتس، ظلّ السباق محموماً ومتقارباً بين كلينتون وأوباما حتى وقت مبكر من صباح أمس، قبل إعلان النتائج النهائية، وهي فوز هيلاري، التي حققت مفاجأة كبيرة بالعودة من جديد لتحيي آمالها في الاستمرار، بعدما نجحت الدموع التي ذرفتها الاثنين الماضي على ما يبدو فى إثارة تعاطف الناخبين، وخصوصاً النساء منهم. وأكّد سباق نيو هامشير للسيناتور السابق، الديموقراطي جون إدواردز، أنّ المنال صعب وأنّ الطريق سيكون طويلاً ومكلفاً، وخصوصاً أنّ المحطّتين الأوليين استنزفتا كثيراً من جهده وماله، ولم تعد موارده تقوى على الاستمرار. وألقى إدواردز، الذي حصل على 17 في المئة من الأصوات، خطاباً مؤثراً عن «الأصوات غير المسموعة» في هذا الصخب الإعلامي، وعن المقهورين والمطحونين الذين لا يحظون بالرعاية الصحيّة والتأمين المهني والدعم الكافي لأن يجعلهم يحيون حياة كريمة. وشدّد لأنصاره على أنّه مستمرّ في السباق ولن يخرج منه على الرغم من هذه النتيجة.
وجاء حاكم نيو مكسيكو، بيل ريتشاردسون، رابعاً بنسبة 5 في المئة في مقابل 1 في المئة للنائب دينيس كوسينيتش، بينما حلّ السيناتور مايك جرافيل أخيراً من دون نسبة تذكر من الأصوات.
ولم يحدث منذ نحو نصف قرن أن جرت مثل هذه الانتخابات المفتوحة في البلاد، حيث لم يشارك فيها رئيس سابق أو نائب رئيس، فيما تصدّر الاقتصاد والعراق والرعاية الصحية والهجرة والإرهاب القضايا التي تهمّ الناخبين.
وجاء فوز هيلارى بمثابة مفاجأة، حتى لمنظمي حملتها ولزوجها الرئيس السابق بيل كلينتون، الذي شنّ هجوماً لاذعاً على أوباما عشية التصويت فيما بدت هيلاري منهكة جسدياً، بسبب المجهود الهائل الذي بذلته، ومحبطة نفسياً، بسبب استطلاعات الرأي التي أشارت إلى تقدم المنافس الأسود بفارق كبير.
كما أدت نتائج أوّل مدينتين في الولاية في خداع المراقبين، حيث أشارت إلى تقدّم أوباما بهامش كبير على كل من هيلارى وإدواردز. وتأهلت حملة هيلاري نفسياً للقبول بالترتيب الثاني في نيو هامشير، وكانت تعد تقريباً لتخطي الانتخابات التمهيدية فى الولايتين التاليتين في ساوث كارولينا (19 من الشهر الجاري) وفي نيفادا بعدها بأسبوع، للاستعداد للحملة الكبرى من الانتخابات التمهيدية في 22 ولاية في 5 شباط المقبل، التي تسمّى «الثلاثاء الكبير».
وسيسجّل فوز أيّ من هيلاري أو أوباما صفحة جديدة في تاريخ أميركا، إذ سيكون أوباما أوّل أسود يحكم البيت الأبيض، بينما ستكون هيلارى أول امرأة تتولى الرئاسة في الولايات
المتّحدة.
وفى كلمته التى ألقاها صباح أمس، بعد ثبات السباق على فارق نقطتين بينه وبين هيلاري، أكّد أوباما أنّه سيواصل الكفاح. وقال إنّ مواطني نيو هامشير أكدوا بتصويتهم بهذا العدد الهائل أنّ هناك شيئاً يحدث في أميركا، وخصوصاً بين أولئك الشباب الذين لم يسبق لهم أن توجّهوا إلى صندوق اقتراع. وأضاف، بلهجة المنتصر: «إنّنا عازمون على أن نقود هذا البلد نحو وجهة جديدة، وأن هذا هو التغيير الذي يحدث في أميركا هذه الأيام»، مشيراً إلى أنّه سيعيد القوات من العراق وينهي هذه الحرب وينهي المهمة ضدّ تنظيم «القاعدة» ويعيد للبلاد صورتها ومكانتها فى العالم ولن يستخدم أحداث 11 أيلول 2001 ليخيف الخصوم أو يصطنع الأعداء.
ويعدّ أداء أوباما في نيو هامشير، ذات الغالبيّة البيضاء والجمهورية، قياسياً وربّما عزّز تقدّمه في ساوث كارولينا نظراً للنسبة الكبيرة من السود بين سكّانها، الذين ينتظرون هذه اللحظة التاريخية للدفع بأوّل مرشّح أسود نحو البيت الأبيض، علماً بأنّ قيادة السود الأميركيين تميل تقليدياً نحو انتخاب المرشّح الذي يمثّل «المؤسّسة الأميركيّة الحاكمة تقليدياً» وأوباما بالنسبة إليهم لا يزال خارج المؤسّسة. ويكاد من المؤكد أن تصوت ولاية نيفادا لمصلحته، وسيكون البقاء في باقي محطات السباق بالنسبة إلى المتنافسين الآخرين لمن لديه الذخيرة الأكبر من المال لتمويل المزيد من الحملات.
أمّا هيلاري فقد ألقت كلمة مشوبة بفرحة غامرة، بعدما بدّلت ثيابها «الرجالية» المعهودة وارتدت فستاناً رائعاً يليق بليلة عرس جديدة. وتعهّدت، بصوت عاد إلى طبيعته، أن تكون رئيسةً لكلّ الأميركيين، وذلك في تبديد للشكوك بأنّها شخصية منفرة واستقطابية.
وقد دفع فوز كلينتون وماكاين المراقبين والمحللين إلى الاعتقاد باستحالة التنبؤ بمن سيتصدّر قائمة المرشّحين من كلا الحزبين حتى يوم 5 شباط.