القاهرة ــ الأخبار
يغادر القاهرة ٣٠٠ خبير أمني إلى منتجع شرم الشيخ لاستكمال الاستعدادات الأمنيّة، تحضيراً لزيارة تستغرق ساعتين يختم بها الرئيس الأميركي جورج بوش جولته في الشرق الأوسط.وبينما لا تلقى هذه الزيارة اهتماماً كبيراً، تشغل الأوساط السياسيّة والصحافيّة زيارة أخرى، يجريها وفد من الكونغرس الأميركي يقوم بجولات «تفتيش» على حزب «الإخوان المسلمين» والرعاية الصحية وحصّة مصر من مياه النيل. زيارة استعادت صورة «المندوب السامي» أيّام الاحتلال البريطاني، وخصوصاً أنّ موضوعها الأساسي هو المعونة الأميركية لمصر


زيارتا الرئيس جورج بوش ووفد الكونغرس الأميركي لمصر تأتيان فيما يراوح ملفّ العلاقات المصرية ـــــ الأميركية مكانه، ولم يعد معظم الإصلاحيّين يراهنون على احتمال أداء واشنطن أي دور للضغط على النظام المصري لإجراء إصلاحات سياسية مؤجلة، وفيما تستعدّ كتيبة مكوّنة من 95 جندياً من الحرس الوطني الأميركي، من ولاية أيوا، للانتشار في سيناء لمدة عام، حسبما ذكرت وكالة «أسوشييتد برس».
جاء هذا في الوقت الذي أكّد فيه وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط أنّ القاهرة لن تقبل بوجود أميركي دائم على الحدود بينها وبين قطاع غزة. ونقلت الوكالة المذكورة عن مسؤولين أميركيّين قولهم إنّه سيقام حفل وداع رسمي للجنود المغادرين أوائل الشهر المقبل، قبل توجّههم إلى واشنطن لتلقي تدريب في قاعدة «فورت لويس» استعداداً لنشرهم في سيناء. وأوضحت أنّ مهمّة الكتيبة ستتمثّل في الحرب على الإرهاب، ودعم القوّات الأميركيّة في العراق، وستلحق بها 3 وحدات لإزالة المتفجّرات، وتوفير الإمدادات اللوجستية والطبية، وتقديم الدعم الجوّي للقوات الأميركية في المنطقةوالاتفاق المصري ـــــ الأميركي لاستقدام فريق من سلاح المهندسين الأميركي لتدريب قوّات الحدود المصرية للكشف عن الأنفاق في المنطقة الحدودية التي تدعي إسرائيل أنّها تستخدم في تهريب الأسلحة إلى غزة، وصفه أبو الغيط بأنّه مجرّد «مبيعات لأجهزة فنية متقدّمة للبحث عن الأنفاق وتدريب على هذه الأجهزة». وقال إنّه «عدا ذلك لا يمكن تصوّر وجود أميركي دائم على الأرض في خط الحدود المصري»، مشيراً إلى وجود مشاركة أميركية في القوّة المتعددة الجنسيات في سيناء منذ عام 1981.
ومن جهته، أكّد الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء محمود خلف، أنّ نشر قوات أجنبيّة في مصر «لم ولن يحدث»، وأنّ ما ينشر عن الموضوع هو «مجرّد فقاعة اختبار إعلامية». وأشار إلى أنّ بوش قد يحاول إثارة هذا الموضوع في زيارته إلى شرم الشيخ الأربعاء المقبل.
وترددت معلومات أمس عن احتمال عقد بوش لقاءً منفرداً مع ابن الرئيس المصري حسني مبارك، جمال، الذي يعتقد أنّه يسعى لخلافة والده في السلطة، رغم معارضة معظم القوى السياسية والوطنية.
وكان جمال مبارك قد قام العام الماضي بزيارة مثيرة للجدل إلى واشنطن، من دون أن يلتقي فيها بوش، الذي اكتفى بالمرور عليه في أحد الاجتماعات ومصافحته، بينما الرئيس مبارك امتنع منذ نحو 4 سنوات عن القيام بزيارة سنوية اعتادها إلى العاصمة الأميركية بعدما صعّدت إدارة بوش حدّة انتقاداتها تجاه سياسته الداخلية.
وعبّرت الإدارة الأميركيّة أخيراً عن مخاوف تساورها من كيفيّة انتقال السلطة في مصر، وطرحت السفارة الأميركية في القاهرة، على مجموعة من المثقّفين والمفكّرين، تساؤلات عن أبرز المرشحين لخلافة مبارك.
من جهة أخرى، تأمل الحكومة المصرية أن تُسهم زيارة بوش في تخفيف الضغط الذي يمارسه الكونغرس لربط المعونات السنوية التي تقدّمها الولايات المتحدة إليها (أقلّ من 2 مليار دولار سنوياً)، بعملية الإصلاح السياسي والاقتصادي.
غير أنّ المرشد العام لـ«الإخوان»، محمد مهدي عاكف، يشدّد على أنّه لا يثق كثيراً في الأجندة الأميركية. ويعتقد أنّ بوش ليس جاداً في هذه المسألة، بل يستغلّ ملفات داخليّة حسّاسة أوراق ضغط لابتزاز النظام الحاكم وإجباره على القيام بما يخدم المصالح والأهداف الأميركية، معرباً عن تخوّف جماعته من أن تؤدّي الزيارة إلى إطلاق يد السلطات أكثر في مواجهتها.
وبينما يرى البعض أنّ نقل قمّة مبارك ـــــ بوش إلى المنتجع المخملي في شرم الشيخ يستهدف حرمان المناوئين للسياسة الأميركية والساخطين على نظام مبارك إفسادهم الزيارة الأولى لبوش إلى مصر منذ تولّيه مهام منصبه قبل 7 سنوات، بالتظاهرات الشعبيّة، استبق عضو مجلس الشعب، الصحافي مصطفى بكري، الزيارة بتقديم طلب مثير للجدل لعقد جلسة عاجلة للمجلس لمناقشة طلبه إلى رئيس الحكومة، أحمد نظيف، منع سيّد البيت الأبيض من دخول مصر.
وفي مناسبة الزيارة، يجدر استذكار محطات مهمّة في تاريخ العلاقات المصريّة ـــــ الأميركيّة الممتدّة منذ القرن التاسع عشر؛ مثّلت الحرب العالمية الثانية نقطة مفصليّة في تاريخ تلك العلاقات، وكان تقديم واشنطن معونات لمصر في عهد الملك فاروق الأوّل في إطار «مشروع مارشال»، البداية الحقيقيّة. وفي أيلول عام 1947، طلبت مصر رسمياً بعثة عسكريّة أميركية لتدريب القوّات المصرية. ومنذ العام التالي وحتى عام 1952، دفعت الولايات المتحدة لمصر حوالى 9 ملايين دولار.
في صباح يوم 23 تمّوز عام 1952، وبعد نجاح «الثورة»، تبلّغت السفارة الأميركيّة من قيادتها، رسالة مضمونها أنّ «النظام القديم في مصر قد سقط، وأن نظاماً ثورياً جديداً قد قام. وهذا النظام يستهدف تحقيق الأماني الوطنية للشعب المصري». وبعد ذلك بـ7 سنوات، عقد البلدان اتفاقاً تشتري في إطاره القاهرة القمح الأميركي بالجنيه المصري.
عام 1961، أرسل الرئيس الأميركي الراحل، جون كينيدي، خطاباً إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يعرض عليه فيه رغبة بلاده في تسوية النزاع العربي ـــــ الإسرائيلي، وردّ عليه عبد الناصر بأنّ هناك طريقاً واحداً إلى تسوية هذا النزاع، هو طريق رد الحق العربي. وبعد ذلك بست سنوات، تدهورت العلاقات إلى حدّ قطع العلاقات الدبلوماسية بعد المساندة الأميركية لإسرائيل في عدوانها على مصر في 5 تمّوز عام 1967. استؤنفت العلاقات في آذار عام 1974، ومنذ ذلك التاريخ هناك إدراك متبادل لأهميّة كلّ من البلدين للآخر، وضرورة الحفاظ على علاقات طيبة. علاقات يشكل البعد الاقتصادي جانباً مهماً فيها. وفي هذا السياق تأخذ العلاقات الثنائيّة أشكالاً عديدة مثل المعونات الاقتصادية الأميركية لمصر واتفاقية الشراكة.