طوني صغبيني
يبدأ رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ، غداً، زيارته الأولى إلى الصين، في جولة من المتوقع أن تعزز العلاقات الودية بين البلدين. لكن المسافة، التي تبدو اليوم أقرب من أي وقت مضى بين بكين ونيودلهي، لا تزال أبعد من المطلوب لنسج علاقة «طبيعية» بين البلدين اللذين تفصلهما مرتفعات الهملايا وجبال من الشك المتبادل والارتياب التاريخي.
وتنبع أهمية زيارة سينغ من كونها استكمالاً للمرحلة الجديدة من العلاقات مع بكين بعد جليد دامٍ نصف قرن، إذ كان البلدان قد خاضا حرباً قاسية سابقاً، وبقيا حتى عام 2002 من دون رحلات جوية مباشرة بينهما، لكنهما نجحا في ردم هوة لا يستهان بها، رغم الخلفية المعقدة من الصراعات الإقليمية التي تجمعهما وتدفع العلاقات بقوة في اتجاه تصادمي معاكس.
فالخريطة الجيوسياسية لوسط آسيا جعلت العملاقين ينظر كلٌّ منهما إلى الآخر على أنه التهديد الاستراتيجي الأكبر له، وهو ما يحكم تطور العلاقات بينهما؛ ففي الواجهة هناك التنافس الاقتصادي الذي يراه المراقبون أمراً محتوماً بين أسرع بلدين نمواً في العالم. لكن ذلك ليس سوى «القشرة»، التي تغلف نزاعات أكثر خطورة، أولها العلاقات الصينية الوثيقة مع خصم الهند اللدود باكستان.
وكانت نيودلهي، المستاءة من الصواريخ الباليستية والتسهيلات النووية الصينية التي جعلت القوة الباكستانية على ما هي عليه اليوم، تصنّف بكين بأنها التهديد الأمني الأكبر للهند بعد الاختبارات النووية لإسلام آباد عام 1998.
وتسبب علاقات الهند المستجدة مع الولايات المتحدة مصدراً آخر للتوتر، ولا سيما بعد تتويجها العام الماضي بتوقيع اتفاقية للتعاون النووي المدني بين الاثنين. وذلك عزز أيضاً الارتياب الصيني من مشاركة الهند في «قوس الديموقراطية»، الذي تحاول واشنطن تطبيقه في عهد الرئيس جورج بوش لمحاصرة النظام الشيوعي في بكين، وذلك عبر توثيق علاقات البيت الأبيض مع كوريا الجنوبية واليابان والهند ودول جنوب شرق آسيا وإعطائها بعداًً داخلياً متعلقاً بالديموقراطية وحقوق الإنسان.
كما أن هضبة التيبيت تبقى موضعاً شائكاً وقابلاً للتفجر في أي لحظة، حيث تقدّم الهند المأوى والدعم للدالاي لاما وحركة التمرد التي يقودها على الحكم الصيني منذ اندلاع النزاع في الخمسينيات من القرن الماضي، وهو ما يزيد ارتياب الصين من مطالبة الهند أخيراً بتنسيق سياستهما في النزاعات الإقليمية في ميانمار وبنغلادش والنيبال، الأمر الذي يجعل حصول نيودلهي على مقعد دائم في مجلس الأمن كابوساً حقيقياً للطموحات الإقليمية والعالمية لبكين.
يضاف إلى ذلك كله النزاع الحدودي الذي أشعل حرباً بينهما عام 1962، حيث تتهم نيودلهي بكين باحتلال 38 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الهندية فيما تدعي الصين سيادتها على كامل مقاطعة اروناشال برادش الهندية.
وخلق تضاعف أسعار النفط مشاكل جديدة للعملاقين الآسيويين، تمثلت بشكل أساسي بالتسابق على الموارد الأولية وتضاعف حجم «معضلة مالاكا» الناتجة من محاولة إحكام الصين قبضتها على امتداد خط الجزر التي تصل الساحل الشرقي لأفريقيا ببحر الصين الجنوبي، مروراً بالمحيط الهندي. ويمر عبر هذا الطريق البحري أكثر من 80 في المئة من موارد الطاقة المستوردة إلى الصين التي تزيد على امتداده عدد قواعدها التجارية والمدنية، الأمر الذي تعتبره الهند حصاراً لها وترد عليه بطريقة غير مباشرة بمناورات سنوية مع القوات الأميركية والأوسترالية واليابانية في المحيط الهندي.
أمام كل هذه التعقيدات، تبدو مهمة الدبلوماسية صعبة بشكل استثنائي، لكنها على ما يبدو تخطت العقدة الأولى المتمثلة بكسر الجليد في مختلف المستويات: الاقتصادية (التبادل التجاري قفز من 5 مليارات إلى 34 مليار دولار بين عامي 2002 و 2006)، السياسية (ظهر ذلك بوضوح خلال معارضتهما لغزو العراق عام 2003 واستمر في الأعوام التالية على شكل المطالبة بعالم متعدد الأقطاب)، والعسكرية (إنشاء مركز دائم لتبادل المعلومات وإجراء مناورة مشتركة هي الأولى من نوعها في كانون الأول الماضي)، وحتى البيئية (مواقفهما المتناغمة من بروتوكولي كيوتو وبالي).
هذا الانفتاح سيكون له، إذا ما استمر، تداعيات عميقة على النظام الدولي، حيث يمثِّل البلدان نحو ثلث سكان العالم.