باريس ــ بسّام الطيارة
بدأ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمس جولة خليجية، هي الأولى له منذ تولّيه الرئاسة، تقوده الى السعودية وقطر والإمارات، سيكون لها «مضمون سياسي قوي»، حسبما أوضح الإليزيه، إنّما سيجريها تاركاً وراءه عاصفة سياسية من المنتظر أن تتطوّر في اتجاهات شتى بعدما شارك في احتفال انتخابي بمناسبة إطلاق حملة انتخابات البلديات.
إذ إنّها المرّة الأولى التي يشارك فيها رئيس جمهورية مباشرة في دعم «حزبه الحاكم»، «التجمّع من أجل حركة شعبيّة». وقد أثارت هذه المشاركة جدلاً بسبب الانعكاسات التي يمكن أن تصيب مركز الرئاسة إذا خسر حزبه الانتخابات بتراجع عدد المقاعد التي يحتلّها، وإمكان ارتداد هذه الخسارة على مركز الرئاسة وهيبتها.
وشارك في المهرجان، إلى جانب ساركوزي «اليميني»، رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير «الاشتراكي»، ما أثار حفيظة القوى الاشتراكية الفرنسية. وبرّر بلير وجوده إلى جانب حزب يميني بقوله باللغة فرنسية «إنّني ديموقراطي في الولايات المتحدة وعمّالي في بريطانيا وفي فرنسا يمكن أن أكون عضواً في الحكومة». وأضحك بلير كثيراً الحضور اليميني في المجلس الوطني بتوجيهه السهام الفكاهية لطروحات اليسار.
ويبدو أنّ «انفتاح ساركوزي السياسي المبنيّ على مبدأ القطيعة» يمكن أن يتجاوز حدود فرنسا. ويرى بعض المراقبين أن سيّد الإليزيه يحضّر «طوني بلير ليكون الرئيس الأوّل للاتحاد الأوروبي» بعد إقرار الدستور المصغّر من برلمانات الدول الأعضاء.
وبانتظار تطوّر العواصف السياسيّة على الساحة الفرنسيّة، يسعى ساركوزي من خلال جولته الخليجيّة إلى «التأكيد مجدداً على صداقة فرنسا لهذه البلدان». ومن المنتظر أن يبحث في محطته الأولى، السعوديّة، ملفّات تتعلّق ببيع معدات دفاعية مهمة كان قد حضر لها أثناء تولّيه وزارة الداخلية، تعنى بحماية حدود المملكة ومن بينها شبكة للرادارات وأجهزة اتصالات محصنة وطائرات استطلاع ومروحيات.
ولم يتردّد مصدر مسؤول في الإليزيه في توجيه انتقاد إلى الرئيس السابق جاك شيراك، حين أشار إلى أنّ «الهدف الأوّل للزيارة هو إعادة بناء العلاقات الثنائيّة».
ومن الطبيعي أن يكون الملف اللبناني حاضراً بقوة في الرياض على طاولة المباحثات، وخصوصاً أنّ «تداخل المسارات السعودية والفرنسية في بعض الأحيان» قد دفع إلى بعض «سوء التفاهم»، وتحديداً عندما انطلقت مبادرة «سيل سان كلو» من دون استطلاع رأي الجانب السعودي. ورغم كون «سيل سان كلو قد بات وراءنا»، بحسب أحد المقرّبين من الإليزيه، إلّا أن الفكرة يمكن أن تعود وتلبس «رداء عراقياً» إذ أكّد ساركوزي قبل ركوبه الطائرة أنّ باريس مستعدة للسعي إلى فكرة عقد «مؤتمر للدول المجاورة للعراق» على غرار ما حصل بالنسبة إلى لبنان، علماً بأن الفكرة قد طرحها وزير خارجيّته برنار كوشنر في آب الماضي لـ«تسهيل الحوار بين الطوائف».
ومن المؤكّد أنّ الرياض «لا تحبّذ تدخل فرنسا في مربعها الخاص في الخليج»، كما يقول محلّل متابع للشأن العراقي في باريس، وهي «لا تنظر بعين الرضى الكامل» لفتح فرنسا قنصلية في أربيل، ويمكنها أن تراه، كما يفعل عديدون، تحضيراً «لاستقلال كردستان»، وهو الأمر الذي نفاه ساركوزي قبل وصوله إلى الرياض، مشدّداً على أنّ فرنسا «متمسّكة بوحدة عراق ديموقراطي وبوحدة أراضيه في إطار احترام تنوّعه»، وأنّها لن تتردّد في فتح مكتب لسفارتها في البصرة عندما تتيح الظروف الأمنية ذلك.