معمر عطوي
لم تكن حادثة تفتيش الزوارق الإيرانية للسفن العسكرية الأميركية في مضيق هرمز الأسبوع الماضي، مجرد حادثة عرضية، انتهت بإجراءات «اعتيادية»، حسبما ذكرت السلطات الإيرانية.
الغريب في المسألة أن تصف الولايات المتحدة ما قامت به قوات الحرس الثوري تجاه سفنها المقتحمة بحار الآخرين بالعمل «الاستفزازي»، فيما لم تلحظ الإدارة الأميركية أن وجود سفنها في هذه المنطقة قبالة سواحل الجمهورية الإسلامية التي تناصبها العداء، هو الاستفزاز بعينه.
وبعيداً عن ظروف الحادثة و«حرب الأشرطة المصورة» بين واشنطن وطهران، التي هدف من خلالها كل طرف إلى إثبات اتهاماته للآخر، لا يمكن فصل ما جرى في مضيق هرمز في السادس من كانون الثاني الجاري عن زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش للمنطقة، التي حملت عنواناً عريضاً هو «مواجهة الخطر الإيراني».
هذه الزيارة التحريضية، كان لا بد أن يسبقها حدث يفتح عيون الخليجيين من جديد على الخطر الإيراني المفترض، ولا سيما بعد التقارب الذي حصل بين طهران والدول الخليجية في الأشهر الأخيرة، والذي توج بحضور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قمة دول مجلس التعاون في الدوحة في الثالث من كانون الأول الماضي.
لعل اختيار مضيق هرمز الحيوي، الذي يمر فيه 17 مليون برميل نفط يومياً، أي ما يزيد على ثلث إجمالي شحنات النفط الخام العالمية، كان رسالة موجهة من واشنطن إلى دول الخليج بأن إيران لا تهدد هذه الدول فقط بالبرنامج النووي العسكري، الذي توقَّف باعتراف أجهزة الاستخبارات الأميركية نفسها، بل بقطع إمدادات النفط الخليجي عن العالم، في وقت تشهد فيه هذه الدول طفرة نفطية غير مسبوقة.
من الواضح أن ما دحض هذه الهمروجة الأميركية في مضيق هرمز، كان الصحف الأميركية نفسها، حين شهد شاهد من أهله، في صحيفة «نايفي تايمز»، أن الرسالة الصوتية التي هددت بتفجير السفن الأميركية قد تكون «مزحة» من «القرد الفيليبيني»، وهو صفة للرجل الذي يمضي وقته في التدخل في الاتصالات بين السفن ويوجه الشتائم جزافاً.
وحسبما ذكرت الصحيفة نفسها، فإن نوعاً كهذا من الرجال «القرود» منتشر في جميع أنحاء العالم، وعلى الأخص في مضيق هرمز نظراً لأهمية حركة الملاحة البحرية هناك.
ما نقلته الصحيفة عن البحرية الأميركية، كان بمثابة اعتراف بأن البحرية غير قادرة على تحديد إذا ما كان التهديد صادراً عن الزوارق الإيرانية، بدليل أن الصوت المسجل في الرسالة مختلف عن صوت الضابط الإيراني الذي خاطب السفينة الأميركية «بورت روايال» عبر اللاسلكي.
أما صحيفة «واشنطن بوسـت»، فقد رأت بدورها، أن الرسالة التي قيل إن الإيرانيين قد بعثوا بها، لم تكن موجهة على أغلب الظن إلى السفن الأميركية.
هذه المعطيات تؤكد أن حادث مضيق هرمز كان سيناريو مُفتعلاً، قد تظهر نتائجه في سلوكيات الخليجيين تجاه جارتهم الفارسية بعد ملاحظة مفاعيل زيارة بوش إلى المنطقة.