غزة ــ رائد لافي
انقطاع الكهرباء يعمّ القطاع... وأهله يغيّرون عاداتهم الاجتماعية

لم يعد قطاع غزة على مشارف الكارثة الإنسانية، بل بات اليوم في قلبها. فالقطاع، الذي بدأ سكانه يطلقون عليه اسم «مدينة الظلام»، أصبح محروماً الكهرباء، وحتى إجراءات التعويض المتمثلة بالمولّدات ستندثر من أزمة انقطاع الوقود، إضافة إلى بدء نفاد المواد الغذائية في ظل الحصار الإسرائيلي المتصاعد.
اضطر مصطفى وأصدقاؤه محمد وعلي ووائل إلى الاشتراك لتوفير ثمن مولد كهربائي صغير، كي يتمكنوا من الدراسة استعداداً للامتحانات الجامعية التي تزامنت مع انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة يومياً عن قطاع غزة.
وعانى مصطفى وأصدقاؤه كثيراً في البحث عن مولد كهربائي صغير يتناسب مع مبلغ 1200 شيكل (الدولار يعادل 3.8 شيكل)، الذي تمكنوا من توفيره من مصروفهم الشخصي، في ظل الحصار الخانق وإغلاق المعابر المفروض على القطاع منذ سبعة شهور.
واتفق الأصدقاء الأربعة، الذين يدرسون تخصّصات مختلفة، على آلية لاستخدام المولد المشترك، تقضي بأن تتم الاستفادة به بحسب جداول الامتحانات، وجدول قطع التيار الكهربائي عن مناطق سكنهم، بحسب مصطفى.
ونفدت المولدات الكهربائية من أسواق القطاع، بعد ازدياد الطلب عليها خلال الشهور القليلة الماضية، بفعل تكرار سلطات الاحتلال الاسرائيلي استخدام سلاح الوقود الخاص بمحطة توليد الطاقة الوحيدة في القطاع، وقطع الكهرباء التي تزوّد بها بعض مناطق القطاع.
وتغطي مدينة غزة، كبرى مدن القطاع، غمامة سوداء في أوقات انقطاع الكهرباء، بفعل الدخان المنبعث من المولدات، التي باتت تمثّل ظاهرة بهديرها وانتشارها في المنازل والشقق السكنية، وأمام المحالّ التجارية.
وبينما تمكن مصطفى وأصدقاؤه، وآخرون، من شراء مولدات كهربائية، فإن كثيرين عاد بهم الزمن إلى الوراء عشرات السنين، بلجوئهم إلى وسائل الإنارة البدائية كالشموع و«لمبات الكاز». وقال الطالب الجامعي محمد الهسي (19 عاماً)، بكثير من السخرية، «اللهم أدمها نعمة واحفظها من الزوال»، مضيفاً «نرجو ألا يلتفت الاحتلال إلى الشموع ويحرمنا منها».
وفاقم انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة معاناة الفلسطينيين في القطاع المتفاقمة أصلاً بسبب الإغلاق والحصار والفقر والبطالة، إلى جانب موجة البرد القارس، والتصعيد العسكري الإسرائيلي.
وزاد من قسوة الأوضاع تدني درجات الحرارة بشكل غير مسبوق، غير أن الفلسطينيين الذين استعاضوا عن التدفئة بواسطة الكهرباء، بأجهزة التدفئة التي تعمل بالغاز، لم تمهلهم سلطات الاحتلال طويلاً لتمنع دخول الغاز والوقود للقطاع، ما اضطر كثير من محطات الوقود إلى إغلاق أبوابها. ومع انقطاع التيار الكهربائي، تصبح عملية الاتصال بواسطة الهواتف الخلوية غاية في الصعوبة، نظراً لأن محطات تقوية الإرسال تعمل على الطاقة الكهربائية أيضاً.
ومع استمرار أزمة انقطاع التيار، تطول قائمة المنشآت الاقتصادية التي تتوقف عن العمل، وتبدأ أزمة أخرى في الظهور هي أزمة مياه الشرب التي لا يمكن ملء الخزانات فوق سطوح المنازل بها من دون مضخات تعمل بالكهرباء.
وذهبت الحاجة أم سعيد، التي لا تجيد القراءة والكتابة، إلى الربط بين مشكلة التيار الكهربائي بالصراع السياسي داخلياً ومع الاحتلال. وقالت إن «أزمة الكهرباء مشكلة سياسية بالدرجة الأولى، وتهدف إلى عقاب سكان غزة، وإطاحة حركة حماس».
وأضافت أم سعيد، التي أظهرت قدراً كبيراً من الولاء لحركة «حماس»، «هناك أطراف داخلية تساند الاحتلال في خلق أزمات إنسانية والتضييق على سكان غزة لدفعهم للثورة على الحكومة الشرعية (الحكومة المقالة برئاسة إسماعيل هنية) وإطاحتها لإمرار المؤامرات». وأشارت إلى أن «الأطراف المتآمرة» تدرك أهمية التيار الكهربائي سواء على الصعيد الإنساني أو الصناعي، ولذلك، فإن الاحتلال، وبموافقة أو تخاذل بعض الأطراف الداخلية، يلجأ بين الفترة والأخرى للضغط وممارسة الابتزاز من خلال قطع التيار الكهربائي وعدم إمداد محطة توليد الكهرباء بالوقود اللازم.
ويحتاج القطاع من الكهرباء إلى 240 ميغاوات، تقوم الدولة العبرية بتزويده بـ123 منها، ومصر بـ17 ميغاوات، فيما يجري إنتاج باقي احتياجات القطاع عبر محطة التوليد الوحيدة. وقال حسين عبد العال، الذي يعمل بائعاً للحوم المثلجة، إن انقطاع التيار الكهربائي ألحق به خسائر فادحة نتيجة الانقطاع المتكرر ولساعات طويلة خلال اليوم تتجاوز في أيام كثيرة عشر ساعات متواصلة. وأضاف «وكأنه لا يكفي ما نواجهه من معاناة حتي تأتي مشكلة الكهرباء في ظل هذا البرد وهذه الأيام التي يقدم فيها أبناؤنا الامتحانات».
وبكثير من السخرية، اقترح عبد العال إطلاق اسم «مدينة الظلام» على غزة، لكونها تعود مئات السنين إلى الوراء مع انقطاع الكهرباء عنها خلال ساعات الليل، وكأنها مدينة في العصور الوسطى، تتعطل فيها كل مظاهر الحياة المدنية الحديثة، بما في ذلك المستشفيات والصرف الصحي.
أمّا ربة المنزل فدوى السطري، فأشارت إلى ما واكب هذه الأزمة من تغيّر في عادات مجتمع غزة، موضحة أن الأفراح أصبحت تقام في النهار، وعاد الفلسطينيون لسماع الراديو ليعوضوا حرمانهم لساعات طويلة مشاهدة التلفاز.
وقال رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار النائب جمال الخضري إن غزة تعيش بأقل من احتياجها اللازم من الكهرباء، محذراً من أن استمرار الأزمة المتربطة بأزمة الوقود والمحروقات، سيعطل عمل المستشفيات والمراكز الصحية بشكل عام، إلى جانب تعطل عمل آبار المياه، ومحطات المعالجة والصرف الصحي، إضافةً إلى انقطاع مياه الشرب عن المنازل. وأضاف إن «أعباء انقطاع الكهرباء ستزيد على كاهل الشعب الفلسطيني، وستؤدي إلي شلل كامل في حياة المجتمع الغزي، وهذا يمثّل خطراً كبيراً، وينذر بوضع كارثي خاصاً في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي الشامل».
وأكد المدير العام لمشروع محطة غزة لتوليد الكهرباء، رفيق مليحة، أن نقص كمية الوقود المتوافرة لدى المحطة أفضى إلى اضطرارها إلى خفض قدرتها الإنتاجية من 67 ميغاوات إلى 40 ميغاوات. وأعلن أن نصف المحطة توقف عن العمل أمس، موضحاً أن المحطة ستتوقف عن العمل كلياً فجر اليوم ما لم يتوافر الوقود اللازم لتشغيل التوربينات فيها.