باريس ــ بسّام الطيارة
منذ وصل إلى قصر الإليزيه، فعل نيكولا ساركوزي أشياء كثيرة، منها ما أسهم في خفض نسبة مؤيّدي سياسته الليبراليّة غير المضبوطة، ومنها ما أسهم في زيادتها. لكن بعضاً آخر يرى في هذه السياسة «ديغوليّة مقنّعة» لإخفاء ما عجز عن تنفيذه من وعود انتخابية، وفي مقدّمتها مداواة ضعف القوّة الشرائية للمواطن الفرنسي، ما ينذر بإضراب قد يبدأ اليوم.
ساركوزي لا ينفكّ يردّد بأن «الخزنة فارغة»، وعلى الفرنسيّين العمل لمقارعة القوى الصناعيّة الأخرى وقطف أسواق جديدة. وهو لا يتردّد في إعطاء الأمثولة عن الأسواق الجديدة. وقد ترجمها أخيراً في حملة «شنطة العقود» واللفّ في دول العالم، ترافقه شلّة من رجال الأعمال لبيع المنتوجات الفرنسيّة.
وفي مقدّمة ما «تفخر فرنسا به» المنشآت النووية «السلمية». ويتفق الجميع على أنّ فرنسا ممثّلة بشركة «أريفا»، هي المصدر الأوّل في العالم للمفاعل النوويّة، تتقدّم على شركة «وستنغهاوس» الأميركية بتقنيتها وخبرتها في السوق، وخصوصاً أنها طوّرت تقنية «الماء الخفيف»، وهو وقود نووي بقوّة ضغط لا تتجاوز 3.24، ما يمنع أي استعمال مزدوج لتخصيب اليورانيوم لأهداف عسكرية. وهناك تعارف على تسمية هذا الوقود «كاراميل».
ويقول خبير متابع لهذا الملفّ، لـ«الأخبار»، إنّ من مميّزات «النهج الفرنسي» هو أنه لا يمنع فقط استعمال الوقود لأهداف غير مدنية فقط، بل يمكن عبره ضبط الكميات التي سلّمت للمفاعل وبالتالي «إجراء إدارة شاملة للكمية المسلّمة وللكميات المفروض أن تعود إلى فرنسا لإعادة تخصيبها».
ورغم محاولة ساركوزي الاستفادة من الانبهار الإعلامي الذي يرافق كل إعلان عن توقيع عقد لبيع مفاعل نووي بسبب المبالغ الضخمة التي ترافق هذه الإعلانات، فإن مصادر موثوقة أكّدت لـ«الأخبار» أنّ مجمل العقود التي وُقّعت «إن لم نقل جميعها»، هي عبارة عن «عقود تعاون نووي» في مجالات التدريب والطبّ وتأمين المرافق النووية وحمايتها وملاحقة «السوق السوداء النووية».
ويكشف مصدر مسؤول عن أنّ أسباب اقتصار العقود التي غطّت نحو ٣٠ مفاعلاً، على شقّ «التعاون النووي»، متعدّدة بحسب كلّ سوق؛ فالمغرب «يفتقر إلى الموارد المالية اللازمة». أما ليبيا، التي لا تواجه هذه المصاعب المالية، «فإن العقود الموقعة معها هي مبدئيّة» بينما تبدو مصر متردّدة، لأسباب سياسية، في مقدّمتها عدم رغبتها بإغضاب «حليفها الأميركي».
أمّا الهند، وهي السوق الكبرى لمفاعل توليد الطاقة، وخصوصاً أنها من «أكبر الملوّثين إلى جانب الصين والولايات المتحدة» بسبب استعمالها للفحم الحجري لغاية توليد الطاقة، فالاتفاق معها يحمل أبعاداً سياسية استراتيجية كبرى. ويُنتظر أن توقّع نيودلهي قريباً على اتفاق «حظر انتشار السلاح النووي» و«حظر التجارب النوويّة». ويعترف المصدر نفسه بأنّ الهند تحترم هذه الاتفاقيات رغم عدم توقيعها عليها لأسباب سياسية داخلية.
وعند طرح السؤال عما بقي من هذه العقود التي بشّر ساركوزي بتوقيعها، فيختصر المصدر جوابه بقوله «إن أول ضربة معوَل لبناء مفاعل نووي لتوليد الطاقة ستكون في أبو ظبي» التي تملك الإمكانات الماليّة. لكنه يستدرك قائلاً: «ولكن لا تنتظروا هذا قبل حوالى ١٢ عاماً على أقل تقدير» بسبب ضرورة تدريب فرق كاملة وإنشاء «ثقافة علمية نووية» في هذا البلد الناشئ.