دبي ـ معمر عطوي
بمجرد أن تقيم في دبي لأيام قليلة، تكتشف أن تلك الهالة السياحية التي تحيط بالإمارة قد سقطت فالمدينة الإلكترونية الحديثة، ليست سوى مركز عالمي للتجارة الحرة، وواحة توفّر بعض الحريات الشخصية «المفقودة» للمواطنين الخليجيين، إضافة طبعاً إلى فرص العمل للأجانب

حين تحطّ بك الطائرة في مطار دبي، يسرح بك الخيال نحو ما يمكن أن تشاهده في «أرض اللبن والعسل»، مستحضراً كل ما سمعته أو قرأته أو شاهدته في وسائل الإعلام، عن صحراء قاحلة تحولّت في عهد حاكمها محمد بن راشد آل مكتوم، إلى جنة تجارية وخدماتية وسياحية، حتى تكاد تؤمن بأن الشعار المنتشر في بعض الشوارع من أن «الشيخ» قد «حرث البحر»، هو حقيقة واقعية، لولا أنك تدرك مسبقاً تلك المغالاة التي تحملها شعارات فضفاضة للسلطات العربية، عن «إنجازات» الملوك والأمراء والشيوخ والرؤساء.
تصدمك المدينة باختفاء وجهها العربي، حيث لا تسمع سوى اللغة الإنكليزية حتى وسط المقيمين العرب. إذ إن ثاني أكبر إمارة في دولة الإمارات، لا يمثّل مواطنوها الأصليون ربع عدد السكان (حوالى 674 ألفاً من أصل مليونين ونصف مليون نسمة، معظمهم من الهنود والباكستانيين والإيرانيين).
تحدثني الإعلامية الإماراتية ناديا، بشغف، عن تحولات المدينة. ترى أن هذه الهجرة الكبيرة من الوافدين نحو الصحراء، له نتائج سلبية، أبرزها ارتفاع أجور السكن وأسعار العقارات، والسلع الاستهلاكية.
يمكن ملاحظة تداعيات هذا الضغط البشري، من خلال ازدحام السير المتواصل نهاراً ومساءً، الذي يكبد اقتصاد الإمارة خسائر بستة مليارات درهم سنوياً (1.6 مليارات دولار)، بسبب الوقت الطويل الذي يمضيه السكان فيها يومياً للانتقال من مكان إلى آخر.
ابنة دبي المتفائلة التي تتحدث عن «إنجازات الشيخ محمد»، لا ترى ضيراً في ازدحام السير، ما دامت مشاريع «الترامواي» والقطارات باتت بحكم المنتهية قريباً. تقول إن الشوارع اتسعت كثيراً في السنوات العشر الأخيرة.
هذه الإنجازات، لم تقنع طبيبة العيون الإماراتية أيضاً، بأن المدينة لا تزال صالحة للعيش «فإيجارات المساكن أصبحت مرتفعة بشكل كبير، والسلع والثياب ووسائل النقل ترهق المواطن الإماراتي قبل غيره». يُعقِّب السائق السوري على ذلك بقوله: «أصبحنا نبحث عن بيوت في إمارات أخرى حتى نستطيع توفير بعض المال لعيالنا في الوطن».
ما يقوله السائق السوري يؤكده وسام، اللبناني الذي يدير إحدى الشركات بقوله: «استأجرت «فيلا» في إمارة الفجيرة من أجل التوفير. هناك أدفع سنوياً 20 ألف دولار، أما هنا فتكلف حوالى 40 ألف دولار. لذلك فضلت السير يومياً لمسافة أكثر من ساعة من المنزل إلى العمل، على أن أدفع نفقات السكن مضاعفة».
لعل ما يزعج زائر دبي أكثر من الازدحام، هو قلة سيارات الأجرة وارتفاع تكاليفها، رغم أن حافلات النقل العامة رخيصة جداً؛ يتطلب الحصول على سيارة أجرة الاتصال المسبق بشركة خاصة، أو الانتظار لوقت طويل قبل العثور على سيارة فارغة، مع العلم بأن وسائل النقل العامة (الحافلات) مؤمنة بشكل مُنظم على الطريقة الأوروبية، لكنها باتت محصورة بالركاب الهنود والباكستانيين، وبعض الجنسيات الآسيوية الأخرى.
الحديث عن دبي مدينةً للتسوق لا يعني أن الأسعار رخيصة، فلعبة المنافسة لم تنجح في توفير أسعار مناسبة إلا لأولئك الأثرياء الذين يقصدون المدينة فقط للتسوق والترفيه، وخصوصاً أبناء الخليج، الذين يقصد بعضهم أماكن اللهو والمتعة الجنسية والكحول لتعويض ما يفقدونه في بيئتهم المحافظة، فيما يقصد نساؤهم المراكز التجارية الكبرى لشراء آخر ابتكارات «الموضة».
ورغم موقعها الصحراوي القاحل، ومحدودية ثروتها النفطية، بخلاف غيرها من الإمارات، يتميز موقع دبي بإطلالتها على الساحل الغربي بطول 72 كيلومتراً تقريباً، (مساحتها 3885 كيلومتراً مربعاً، من دون الجزر التابعة لها. وتعادل 5 في المئة من مساحة الإمارات). هذا الأمر يشجع بعض السياح الغربيين على ارتيادها والاستمتاع بشمسها الحارقة والغوص في مياه الخليج. وربما كان الحديث عن حركة سياحية نحو الإمارة الصحراوية فضفاضاً، إلى حد ما، لكنها لا تخلو من بعض المعالم السياحية، مثل مناطق: حتا والعوير والخوانيج والقصيص والصفوح والجميرة.
هي مدينة اصطناعية بامتياز، تلتقي فيها ناطحات السحاب والمراكز التجارية الضخمة مع البيوت القديمة ذات الأبراج. وفيها مبانٍ ذات أشكال هندسية رائعة، لكن أكثر ما يشد المشاهد، هو ناطحات السحاب، التي قد تكون الوجه الأبرز لجمالية المدينة؛ فإضافة إلى برج العرب الذي يشق البحر، هناك برج دبي (قيد الإنشاء) الذي أصبح أعلى برج في العالم (أكثر من 700 متر) يناطح السحاب وسط الصحراء.