غزة ــ رائد لافي
كانت فرحة فاطمة فهمي غامرة عندما نجحت في محاولتها الثانية للوصول إلى ذويها في مدينة العريش المصريّة، عبر الحدود «المستباحة» بين قطاع غزّة منذ فجر الأربعاء، عقب تفجيرها من جانب مسلّحين فلسطينيّين مجهولين.
اصطحبت فاطمة (52 عاماً) أسرتها المكوّنة من 5 أفراد، وتحمّلت مشاقّ اجتياز الحدود، رغبة منها في رؤية عائلتها التي تقيم في مدينة العريش منذ عام 1967، بعد نحو ثمانية أعوام من الشوق والحرمان.
وفشلت فاطمة في اجتياز الحواجز التي أقامتها قوّات الأمن المصريّة في اليوم الأوّل من فتح الحدود، غير أنها نجحت في اليوم الثاني (أمس)، عبر الالتفاف عن الحواجز من طرق جانبية، قاطعة بصحبة أبنائها نحو 3 كيلومترات، سيراً على الأقدام، قبل أن تجد سيارة تقلّها وأفراد عائلتها إلى منزل ذويها.
وقالت فاطمة، المقيمة في الجانب الفلسطيني من مدينة رفح منذ زواجها قبل 30 عاماً، إنها تنوي قضاء بضعة أيام في العريش، وستعود إلى منزلها عند عودة الحدود إلى سابق وضعها.
وفي جانب إنساني آخر من المشهد على الحدود، شُغل الشقيقان محمود وناهض في إجراء مكالمة هاتفية مع شقيقهما الثالث رجب المقيم في اليونان، لمعرفة موعد وصوله مع أسرته إلى مدينة العريش، كي تتمكّن الأسرة من الالتئام بعد نحو 7 سنوات من الفرقة.
وقال محمود (38 عاماً) «منذ سبع سنوات لم أرَ شقيقي وأسرته، بسبب الحصار المفروض على القطاع، وسوء الظروف الأمنية والاقتصادية المحدقة بغزّة»، لافتاً إلى أن العائلة قرّرت انتهاز فرصة فتح الحدود كي يلتئم شملها ولو لساعات محدودة.
وبدت فرحة ناهض (39عاماً) كبيرة لكونه سيستطيع رؤية شقيقه وأسرته في لحظة انتظرها طويلاً، ولم يكن يتوقّع قدومها في ظلّ الظروف الصعبة.
وقفزت اسلام الأسطل، وهي مواطنة غزّاويّة أخرى، عن جدار أسمنتي ارتفاعه يزيد على متر ونصف متر تقريباً، بعدما واعدت شقيقها فاضل الذي يدرس طبّ الأسنان في إحدى الجامعات المصرية، لرؤيته في العريش، بعد نحو خمس سنوات من الغربة.
وقالت إسلام إنّ والدتها منعت شقيقها فاضل من العودة إلى القطاع طوال السنوات الماضية، خوفاً من عدم تمكنه من الالتحاق بدراسته من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي. وعلّقت على الموقف بابتسامة: «يبدو أن أمي مرفوع عنها الحجاب وتعلم بالغيب»، في إشارة إلى عدم تمكّن مئات الطلبة الفلسطينيين في القطاع من الالتحاق بدراستهم في الجامعات العربية والأجنبية.
وفرغت أسواق المدن المصرية الثلاث، رفح المصرية والشيخ زويد والعريش المتاخمات للحدود مع القطاع، بعدما نقل الفلسطينيون كلّ ما تقع عليه عيونهم وتطاله أيديهم من بضائع واحتياجات حياتية. كما انتعشت الحركة التجارية على جانبي الحدود، في ظل ارتفاع غير مسبوق في أسعار البضائع المصرية، قدّرها كثيرون بأنها راوحت ما بين 100 إلى 500 في المئة، نتيجة الطلب الفلسطيني المتزايد عليها.
ووصف تجّار مصريون مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين اجتازوا الحدود خلال اليومين الماضيين، بأنهم مثل «الجراد»، الذي لم يُبق شيئاً في طريقه، بسبب «عطش» الأسواق الفلسطينيّة للبضائع في ظل الحصار وإغلاق المعابر.
وبدا واضحاً إقبال الفلسطينيين على شراء الإسمنت، الذي تمنع سلطات الاحتلال دخوله إلى القطاع منذ تشديدها الحصار عقب إحكام حركة «حماس» سيطرتها عليه في منتصف حزيران الماضي.
ونجح أمجد (21 عاماً)، بمساعدة أشقّائه ومجموعة من أصدقائه، في شراء كمية من الإسمنت، لإكمال بناء شقته السكنية كي يتمكّن من إتمام مراسم زواجه، بعدما أجّله أكثر من مرّة بفعل الحصار وإغلاق المعابر.
ولا يأبه أمجد برد الفعل الإسرائيلي على تدمير الحدود، وموقف المجتمع الدولي الذي وصفه بـ«المتخاذل»، متسائلاً: «أين كان المجتمع الدولي ودعاة الحرية وغزة كادت تموت جوعاً وحرماناً بفعل الحصار الظالم؟».