بغداد ـ زيد الزبيدي
كلّ من يغرّد خارج السرب من «القاعدة» أو «جيش المهدي»!

لم يحدّ التقارب المذهبي والعَقَديّ بين الأحزاب العديدة في العراق، رغبة القوى المسيطرة في الاستحواذ على الشارع، وابتلاع الفئات الأصغر. ومع اقتراب انتخابات مجالس المحافظات، بات هذا الابتلاع بمثابة إطار يغطّي شكل النفوذ السلطوي والمادي، وخصوصاً في الجنوب.
ويستغرب كثيرون ظهور حركات دينية متعدّدة، غالباً ما توصف بأنها «متشدّدة» ضمن المذهب الواحد، ويبرّر آخرون «قمعها» بسبب «تطرّفها»، أو «حملها للسلاح»، أو «ترويجها لآراء مضلّلة». إلّا أن المفارقة تكمن في أن بعض المراقبين للوضع العراقي، يرون أن ظهور مثل هذه الحركات ليس مستغرباً، لتقارب أهدافها مع أحزاب موجودة في السلطة حالياً.
ويمكن ملاحظة ارتباط ظهور مئات الأحزاب والتنظيمات بظهور الاحتلال، والتي حمل معظمها أسماء متشابهة، مثل حزب الديموقراطيّين الأحرار، والحزب الوطني الديموقراطي، والتجمّع الديموقراطي، والحزب الديموقراطي الاجتماعي وغيرها، وهو ما يمكن وصفه بـ«التعدّدية السياسيّة».
وكان تبلور مفهوم «الكتلة»، سبباً في هجر أحزاب كثيرة الساحة السياسية، أو اندماجها ضمن مجموعة أحزاب، لتبقى أخرى خارج العملية السياسية الحالية، أو «مهمّشة» من الكتل المسيطرة.
وفي جنوب العراق، فإنّ بدايات «التمرّد على الكبار» يشبه إلى حدّ بعيد، بدايات الحركات المسلّحة في وسط البلاد وشمالها، بعدما أطلقت السلطة مبدأ «حصر السلاح بيد القوّات الحكومية».
ويرى عضو اتحاد المحامين العرب، فرحان عبد الكريم، أنّ هذا المبدأ لا غبار عليه، شرط أن تكون هذه القوّات محايدة وغير مسيّرة من أحزاب السلطة، الأمر الذي يدفع الآخرين إلى حمل السلاح.
ويرى عبد الكريم أنّ القوى المهيمنة في إقليم كردستان العراق هي تلك التابعة للحزبين الكرديّين الرئيسيين، ما يعني احتكارهما قوة السلاح والمال، فيما تسيطر قوى سياسية وعسكرية في الجنوب تحت شعار «السلاح بيد القوّات الحكومية».
ومع اشتعال الحرب الطائفية في السنوات الثلاث الأخيرة، كان هناك نوع من التكتّم عن الحركات داخل الطائفة الواحدة. أما التحوّل، فبدأ في تجميد «جيش المهدي» في الجنوب، وتكوين «الصحوات» في مناطق أخرى بهدف ضرب تنظيم «القاعدة». وأصبح كلّ مخالف للأحزاب الحكومية في غرب العراق وشماله، يتّهم بأنه من «القاعدة»، وتُدرَج في سجلّه عشرات «المخالفات». أما في الجنوب، فمخالف السلطة يتّهم بانتمائه إلى «جيش المهدي». وبالنسبة إلى التشكيلات الصغيرة التي كانت تحتمي بـ«الكبار»، فإنها اليوم تتّهم بـ«الضلال» أو «التكفير».
وأطلقت العام الماضي حملة عسكرية وإعلامية على «جند السماء»، وقُتل المئات منهم مع عائلاتهم في ليلة واحدة في منطقة الزركة قرب النجف. وفي هذا العام، استهدفت الحملة «أنصار المهدي»، وهم من الشيعة، وتحديداً أتباع أحمد الحسن اليماني الذي يدّعي أنه الإمام المهدي الثاني عشر المنتظر قدومه عند
الشيعة.
وتناقضت الروايات الحكومية في هذه الجماعة التي قيل إنّها مدعومة من دول عربية، ولها صلات مع «القاعدة». وكانت قناة «العراقية» الحكومية قد كشفت عن أن «أنصار المهدي»، هي نفسها جماعة فائز الحسيني في بغداد، وذكرت أنها وجدت في المقار التي دهمتها، كتباً ونشرات تحمل صور الشيخ فائز الذي قُتل قبل سنتين في منطقة السيديّة، جنوب بغداد.
وبحسب معلومات «الأخبار»، فإنّ أوّل ظهور للشيخ فائز كان في جامع شاكر العبود في منطقة السيدية عام 2000، حين أعلن أنه «المهدي المنتظر»، واعتُقل بعد فترة من هذا الإعلان، ليفرَج عنه خلال العفو العام الذي سبق غزو العراق.
وبعد عام 2003، احتلّت مجموعة من أتباعه جامع «الفرقان» السنّي في السيدية وأطلقوا عليه اسم «حسينية المحبّة». وبعد إعادة العديد من الجوامع التي استولى عليها «الشيعة»، رفض الشيخ فائز تسليم جامع الفرقان، فبقيت مجموعته فيه حتى اليوم، الأمر الذي يدلّ على نفوذه القوي، وخصوصاً أن دبابة أميركية كانت تربض في باحته رغم الشكاوى.
وللتأكيد على مدى نفوذ فائز، لا بدّ من الإشارة إلى تحويل مبنى أمن السيدية في الشارع القريب من جامع الفرقان سابقاً، إلى حسينية تابعة إلى منظّمة «بدر»، التنظيم العسكري لـ«المجلس الأعلى الإسلامي». ولا تزال العلاقة بين الحسينيّتين قائمة حتى اليوم.
فما الذي تغير ليصبح هؤلاء من «أصحاب الضلالة»؟