حسن شقراني
إرث الرئيس الـ43 للولايات المتحدة يمثّل الموضوع الأمتع من ناحية الانتقاد في أميركا. ليس من جانب السياسيّين، الخصوم«الديموقراطيّين»، الذين يسيطرون على الكونغرس، فحسب، بل تحوّل الأمر إلى سبب يدفع بالجمهوريّين الطامحين لنيل بطاقة اختيار حزبهم للترشّح إلى الانتخابات الرئاسيّة، إلى النأي بأنفسهم عن جورج بوش، بعدما تنتهي مدّته في البيت الأبيض

قدّم الرئيس الأميركي جورج بوش أمس خطابه الأخير عن حال الاتحاد، وقد ركّز فيه (بحسب التوقّعات لأنّ البثّ كان فجر اليوم) على موضوعي العراق والاقتصاد. عرض فيه، مثلما اعتاده العالم منذ 7 سنوات حتى الآن، إيجابيّات ولايتيه، اللتين بدأتا بـ«نشوة الحرب على الإرهاب» لتنتهيا هذا العام (رسمياً في 20 كانون الثاني المقبل) بأفق اقتصادي ضيّق يهدّد البلاد بركود.
مساعد الرئيس السابق بيل كلينتون، جيريمي روزنر، وعلى خلفيّة عمله في استطلاعات الرأي، علّق على بيئة الخطاب، بالإشارة إلى أنّ شرائح كثيرة من الشعب الأميركي «سبق أن شطبت» بوش من حساباتها ونقلت هواجسها نحو فصل سياسي جديد.
سؤال يُطرح: ما الفائدة من هذا الخطاب الأخير؟ هل سيكون له وقع أم هو مجرّد عبث روتيني؟
بما أنّ احتلال العراق لم يعد جذّاباً كفاية للناخب الأميركي، ارتأى معظم المرشّحين للرقم «44 الأوّل عالمياً» التركيز على هاجس الاقتصاد وتداعياته على حياة الأسرة.
الإدارة الحاليّة تحاول صقل ما بقي من براثنها من أجل «تجميل!» الساحة خلال عامها الأخير لأنّه بكلّ بساطة «يجب عمل شيء». والأداة هي رزمة الطوارئ المكوّنة من 150 مليار دولار، للإنعاش، تؤمّن مساعدات ضرائبيّة للأسر والشركات.
هذه الرزمة، التي اتُفق عليها الخميس الماضي، بعد انعكاسات دراماتيكيّة لتباطؤ النشاط الاقتصادي الأميركي على البورصات العالميّة، تثير كثيراً من الجدل على صعيدين.
الأوّل هو تقني. فبينما أساس الأزمة كان «استهلاك الأميركيّين لأكثر من طاقتهم»، ما دفعهم إلى مستنقع العجز مع تنفيس فقاعة القطاع المنزلي، ليس هناك أيّ نقاش بشأن الطريقة التي سيرد بها المستهلك الأميركي على ما ستعفيه منه الحكومة (الخفوضات الضرائبيّة). وبالتالي يصبح الحديث عن الإنفاق العام القائم على عجز متوقّع، أكثر منطقياً من رزمة المحفّزات.
والمثير أنّ العقيدة الاقتصاديّة للمجمع الجمهوريّ الأميركي، التي حقّقت نجاحاً نسبياً (يمكن المحاججة عن أسبابه الوهميّة) خلال السنوات السبع الماضي، ترتكز الآن على معالجة أزمة من خلال تكرار سببها: إنفاق غير منطقي (أو مجدٍ النقد فيه في حالة الرزمة) يولّد عجزاً.
على صعيد الاقتصاد الاستهلاكي تحوّل الأمر إلى هواجس بحلول كساد. وعلى صعيد الميزانيّة العامّة، سيزداد العجز والديون، وهو موضوع كان البحث المضني في علاجه موجوداً قبل استفحال أزمة الرهونات العقاريّة وتحوّلها إلى وباء يتلمّس طريقه تدريجياً عبر العالم. ولو لم يتّخذ الاحتياطي الفديرالي خطوته الجريئة بتقليص سعر الفائدة لتصبح 3.5 في المئة، الأسبوع الماضي، لكانت البورصات الكونيّة الخائفة، في حفرة أكبر من تلك التي شهدتها بداية الأسبوع الماضي.
نقطة أخرى مثيرة هي ما توصّل إليه تقرير لجنة الكونغرس عن الميزانيّة. فهو يفيد أنّه إذا استمرّ الاقتصاد الأميركي بنمطه الحالي (فعل أيّ شيء للإبقاء على النشاط الاقتصادي عند مستوياته الحاليّة، حتى وإن كانت الأمّة قد وصلت إليه من خلال قروض غير منطقيّة من أجل تفعيل الاستهلاك، المحرّك الأساسي للاقتصاد) فإنّ الديون الفدراليّة ستزيد على حجم الاقتصاد (الناتج المحلّي الإجمالي يزيد على 13 تريليون دولار) في فترة ليست ببعيدة، وستبدو حينها الأزمة الحاليّة مجرّد «عارض لطيف».
الجانب الثاني من الجدل سياسي. فـ«تجميل الساحة» على قاعدة الخوف من تضاؤل فرص الجمهوريّين في الاستحقاق الرئاسي، يبدو أقلّ ما يمكن فعله في الوقت الحالي، وإن كان الحدّ الأقصى من الخطوة يصنّف محاولة عواقبها بعيدة المدى، بحسب الاقتصاد العام، هي أكثر خطورة، إذا لم يستطع اللاعبون الأساسيّون بين الـ«كابيتول هيل» ووزارة الخزانة والاحتياطي الفدرالي، توليف تركيبات إنقاذيّة أكثر تنوّعاً تلحق إنفاق الـ150 مليار دولار، وتجعل للمنافسة السياسيّة معنى: الحفاظ على مستوى رفاه المواطن.
عندما اختاره الجمهوريّون ليكون ممثّلهم في سباق الرئاسة عام 2000، كان بوش يتمتّع بكل المقوّمات التي تنصّ عليها المادّة الثانية من الدستور كي يحقّ للفرد أن يكون رئيساً: 1 - أن يكون مولوداً في الولايات المتّحدة. 2 - أن يكون عمره على الأقلّ 35 عاماً. 3 - أن يكون قد أمضى 14 عاماً من حياته على الأقلّ في الولايات المتّحدة.
بوش يتمتّع بميزة واحدة الآن: رئيس أفلس في جميع الملفّات ولم يستطع حماية محافظ مواطنيه من الإفلاس.