واشنطن ـ محمد سعيدنيويورك ـ نزار عبود

بات من شبه المؤكّد أنّ الأميركيّين والإيرانيين سيعقدون بعد أيّام في بغداد جولة رابعة من المفاوضات تتعلق بأمن العراق، بدعوة رسمية أميركية. جولة ستتمّ على مستوى السفراء (ريان كروكر وحسن كاظمي ـ قمّي) حسبما أعلن المتحدّث باسم وزارة الخارجية الإيرانيّة محمد علي حسيني أمس.
ومن المتوقع أن تقدّم طهران مقترحات محدّدة للإسهام في تخفيف التوتّر داخل بلاد الرافدين، فيما تتطلّع واشنطن للحصول على مساعدة مجّانيّة إيرانية تعزّز المكاسب الأمنية المؤقّتة التي تحقّقت منذ السير بخطّة «فرض القانون».
دبلوماسيّون في نيويورك رأوا أنّ الأميركيّين يريدون الظهور بمظهر المفاوض تقطيعاً للوقت، عسى أن تعزّز التطورات الوضع الاستراتيجي لواشنطن في محور أو أكثر في المنطقة خلال المرحلة المقبلة. وقد استفادت الإدارة كثيراً من تعاون سوريا في الحدّ من تدفّق المقاتلين إلى العراق، وخاصّة من السعوديّة وليبيا، وإيران التي لجمت قوى عراقيّة وجعلتها تتعاون مع حكومة نوري المالكي، ومن دول عربية «معتدلة» قلّصت تدفّق الأموال للقوى المناوئة.
لكن واشنطن تخشى أن تتبدّد تلك المكاسب بالسرعة نفسها، وهي تسعى للإبقاء على الحوار. وإيران غير غافلة عن هذه الناحية، ولها حساباتها الخاصة في تعزيز الاستقرار العراقي. لذلك قال وزير الخارجيّة الإيرانيّة، منوشهر متكي، أوّل من أمس إنّ إيران «وافقت مبدئيّاً على المحادثات، لكن لديها ملاحظات أبلغتها إلى الجانب العراقي لنقلها إلى الأميركيّين».
بدوره، أشار مقرّر لجنة الأمن والشؤون الخارجيّة في البرلمان الإيراني، كاظم جلالي، إلى أنّ بلاده تحمل إلى الاجتماع الرابع مع واشنطن مقترحات بـ«تعزيز الأمن والاستقرار في العراق، ودعم حكومة المالكي وتأكيد ضرورة حفظ وحدة الأراضي العراقيّة». ومن الأمور التي ستُطرَح في الخطط الجديدة، في خلال جولة الحوار الثلاثية في بغداد، تسليم المزيد من المحافظات العراقية للسلطة المركزية بدعم سياسي إيراني.
إلا أنّ الولايات المتّحدة ليست متفائلة بسرعة تحقيق مثل هذه الأهداف، وخاصة بعد تجدّد العمليات الانتحارية التي حصدت في الأسابيع الأخيرة الكثير من الأرواح، بعدما خبت منذ الصيف وحتى نهاية الخريف الماضيين.
لكن عقبة جدّية تهدّد نجاح هذه المحادثات، هي تواصل الخلاف بين وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين إزاء الدور الإيراني في انخفاض العمليات والعنف.
وإلى حين يقدّم قائد قوات الاحتلال الجنرال ديفيد بيترايوس والسفير الأميركي لدى العراق ريان كروكر تقريرهما إلى الكونغرس في شهر آذار المقبل، عن سير خطّة الإغراق العسكري في العراق، فإنّ مسؤولين كباراً في وزارة الخارجية يعتقدون أن الحكومة الإيرانية تتّخذ فعلاً إجراءات لوقف تدفق أسلحة ومتفجرات متطورة إلى العراق، وتمارس ضغطاً على حلفائها وأتباعها من المنظّمات العراقية «الشيعية»، وخاصة «جيش المهدي» الذي يتزعّمه السيد مقتدى الصدر، والذي تقول مصادر مطّلعة في الأمم المتحدة إنّ إيران استطاعت جدّياً اختراق صفوفه واستمالة العديد من الكوادر القيادية التي تحيط به، في مسعى لدفعهم إلى احترام اتفاق سابق مع قيادة قوات الاحتلال في العراق، يقضي بوقف الهجمات وأعمال العنف التي يمارسها أتباعهم.
ويدعو بعض المسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية، في مقابل ذلك، إلى ضرورة البدء في محادثات دبلوماسية أوسع مع إيران. ويرى مطّلعون أنّ محور أي محادثات موسّعة بين الجانبين ستتركّز على تقاسم المنافع في العراق، بحيث يريد الأميركيون الاحتفاظ بنفط هذا البلد، في مقابل منح إيران النفوذ السياسي.
غير أن المسؤولين في وزارة الدفاع (البنتاغون)، وفي مقدّمتهم الوزير روبرت غيتس، وكبار مساعديه، يقولون إنّ الوقت لا يزال مبكراً للاستنتاج أن إيران قد اتخذت قراراً استراتيجياً بتغيير سلوكها في العراق. ويستند هؤلاء إلى أنّ عدداً من القادة العسكريين الأميركيين يجزمون بأنّ تدفّق الأسلحة الإيرانية لا يزال مستمراً إلى العراق.
غير أن مسؤولاً رفيع المستوى في الأمم المتحدة أكّد بدوره أنّ خفض الهجمات هو نتيجة التكتيك المزدوج الذي يستخدمه بيترايوس، والقائم على تقديم ملايين الدولارات نقداً إلى زعماء وأفراد ما يُسمّى مجموعات «الصحوة»، وأيضاً إلى قرار مقتدى الصدر تجميد نشاط «جيش المهدي» وإلى الحملة الواسعة من الاعتقالات التي استهدفت كوادر التيار الصدري وعناصره في الشهرين الماضيين، لا إلى الدور الإيراني المتجاوب.
كما يعتقد مسؤولو البنتاغون أنّ عمليات الاعتقال التي تمارسها قوّات الاحتلال بحقّ كوادر هذا التيار أدّت إلى إحداث فراغ في القيادة، الأمر الذي شجّع قوّات الأمن العراقية، الشيعية في معظمها، والموالية بغالبيتها للمجلس الإسلامي الأعلى، على السعي للسيطرة على جنوب العراق.
لهذه الأسباب، يصرّ مسؤولو البنتاغون، خلافاً للدبلوماسيّين التابعين لوزارة الخارجية، على أنّه لا ينبغي التسرّع بتوسيع الحوار مع طهران إلى حين الحصول على أدلّة واضحة على أن إيران قد اتخذت بالفعل قراراً نهائياً بالمساعدة على استقرار العراق، «بما أنّ لدى إيران حاليّاً ما لا يقلّ عن خمسين ألفاً من رجال استخباراتها وأمنها في العراق».