واشنطن ــ محمد سعيد
التعاون الاستخباري الأميركي ـــ الأردني ليس خافياً
على أحد، إلّا أن ما كشفته وكالة الاستخبارات الأميركية «سي آي إيه» أمس، يشير إلى أكثر من تعاون، بل إلى أن الاستخبارات الأردنية ليست سوى ذراع لنظيرتها الأميركية في الشرق الأوسط


أكدت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» أن جهاز الاستخبارات العامة الأردنية هو من أقوى شركائها في العالم العربي لجهة تبادل المعلومات وتقديم الخدمات الاستخبارية والأمنية.
وكشفت مصادر مطلعة، بينها مسؤولون أميركيون سابقون ومسجونون سابقون ومدافعون عن حقوق الإنسان ومحامون، أن لدى الـ «سي آي إيه» منذ عام 2000 سجناً سريّاً في المقر العام للاستخبارات العامة الأردنية في عمان تعتقل فيه نحو 12 شخصاً من غير الأردنيين، يعتقد أن أحدهم هو رمزي بن الشيبة، الذي تتّهمه السلطات الأميركية بأنه أحد العقول المدبرة لهجمات الحادي عشر من أيلول، مشيرة إلى أن التحقيق كان يجري معهم في مقر الاستخبارات العامة الأردنية منذ سبع سنوات.
وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أمس، نقلاً عن هذه المصادر ووثائق، أنه في «معظم الحالات، فإن مركز الاستخبارات هذا كان محطة سريّة لسجناء وكالة الاستخبارات المركزية الذين يتم القبض عليهم في بلدان أخرى». وقالت المصادر إن مقرّ الاستخبارات الأردنية «كان مكاناً حيث يمكن أن يُخبّأ فيه السجناء بعد اعتقالهم وأن يبقوا بضعة أيام أو أشهر قبل ترحيلهم إلى معتقل غوانتنامو في كوبا أو غيره من سجون السي آي إيه حول العالم».
وأشارت الصحيفة إلى أنه تم اعتقال اثنين من السجناء لدى توقفهم في مطار عمان أثناء رحلة جوية، بينما نُقل طالب في علم «الأحياء الجرثومية» اعتُقل في باكستان بعد أسابيع من هجمات 11 أيلول إلى عمان «حيث لم يره أحد منذ نقله على متن طائرة تابعة لوكالة الاستخبارات الأميركية».
والحالة الأخيرة في هذا الشأن كانت قضية المعتقل الفلسطيني مروان الجبور، الذي «نقل إلى الأردن السنة الماضية من أحد سجون السي آي إيه السرية قبل أن يطلق سراحه بعد أسابيع في غزة».
وكشف المحامي الأردني عبد الكريم الشريدة أن «بعض نزلاء هذا السجن السري قالوا إنهم كانوا في الجناح نفسه حيث احتُجز رمزي بن الشيبة».
ويرى محامو الدفاع الأردنيون وناشطو حقوق الإنسان في عمان أنه «ليس من المفاجئ أن تطلب السي آي إيه المساعدة من أجهزة الأمن الأردنية»، وخصوصاً أن الاستخبارات العامة الأردنية تتلقى تمويلاً وتدريباً ومعدات من الـ«سي آي إيه» منذ عقود، كما أن لديها موقعاً إلكترونياً باللغة الإنكليزية وقد سبق للمدير السابق للـ«سي آي إيه» جورج تينيت القول في مذكراته «لقد أنشأنا الاستخبارات العامة (الأردنية) ونموّلها ونحن نملكها».
وقد تعزّزت العلاقات بين الوكالتين الاستخباريتين الأميركية والأردنية أكثر خلال السنوات الأخيرة. ولكن بالرغم من المديح الذي اعتاد المسؤولون الأميركيون أن يكيلوه إلى الاستخبارات الأردنية بسبب معرفتها العميقة بتنظيم «القاعدة» وغيره من الشبكات الإسلامية في المنطقة، فإن مسؤولين أميركيين سابقين في مجال مكافحة الإرهاب وناشطين أردنيين في مجال حقوق الإنسان يقولون إن «المحققين الأردنيين يتمتعون بسمعة جيدة في مجال إقناع الممتنعين عن الإدلاء باعترافات بالكلام، حتى لو عنى ذلك استخدام أساليب قاسية وعنيفة تنتهك القوانين الأميركية والدولية».
وفي هذا السياق، قال المعتقل اليمني في غوانتانامو، الحاج عبد العالي شرقاوي، خلال إفادة مكتوبة عن فترة احتجازه في الأردن، «لقد خطفت ولم أكن أعرف شيئاً عن مصيري، مع تعرضي للتحقيق والتعذيب المتواصل طوال سنتين. وعندما أخبرتهم بالحقيقة، تعرضت للتعذيب والضرب». وأضاف شرقاوي، الذي اعتقل في شباط 2002 في كراتشي، إنه «هُدد بالاعتداء الجنسي والكهربائي خلال احتجازه في الأردن»، مشيراً إلى أنه «كان يتم إخفاؤه عن عيون مسؤولي اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي خلال زياراتهم التفقدية للسجون الأردنية».
ويذكر أن محقق الأمم المتحدة الخاص بالتعذيب، مانفريد نواك، وجد في تقرير أصدره في كانون الثاني 2007، أن «ممارسة التعذيب أمر اعتيادي» في مقارّ الاستخبارات الأردنية، مضيفاً إن هناك «حصانة كاملة للتعذيب وسوء المعاملة في البلاد».
ووثّقت الصحيفة تقريرها بأسماء مجموعة من المعتقلين الذين مروا على السجون السريّة الأردنية، مشيرة إلى أن ماهر عرار (الكندي من أصل سوري) كان بين المحتجزين في السجن السري في عمّان، وتم احتجازه ليوم واحد بعد اعتقاله في مطار نيويورك في أيلول 2002 ثم سلّم إلى السلطات السورية ليتم الإفراج عنه بعد نحو عامين.