برلين ــ غسان بو حمد
«امتحان» يستهدف المسلمين الذكور لتفادي حالات «النوم الإرهابي العميق»

«هل توافق على مشاركة أختك في دروس التمرين على السباحة؟ هل يملك أبوك الحق بضرب أمك في حال عدم إطاعتها له؟ ما رأيك بجرائم الحفاظ على شرف العائلة؟ هل توافق على ممارسة أمك لجميع المهن، وعلى زواج أختك من رجل من غير دينها؟ اليهود متهمون بممارسة الأعمال السيئة في العالم، ما رأيك بهذه التهمة؟».
يبدو الأمر، عند القراءة الأولية لهذا النوع من الأسئلة، مدعاة للسخرية. لكن عندما يتّصل الطالب الجامعي أنيس. ف بمكتبنا في برلين، ناقلاً ما تعرّض له من أسئلة في الدوائر الرسمية الألمانية (الأوروبية)، قبل الموافقة على تمديد إقامته المحدّدة زمنياً بفصل دراسي، وبصفة طالب في «جامعة برلين التقنية»، يصبح الأمر أكبر من مجرّد السخرية.
هذا الامتحان يسمح بطرح السؤال الآتي: «هل هكذا تكافح أوروبا الإرهاب، وتفتح أبوابها لانضمام تركيا إلى عضويتها؟ وهل هذا هو برنامجها لتحقيق «الاندماج المجتمعي بين الأديان والمذاهب والأعراق»؟
واقع الأمر، أن الحزب المسيحي الديموقراطي المحافظ، الذي يشاطر الاشتراكيين الديموقراطيين الأحرار الحكم في ألمانيا، طرح برنامجه لمكافحة الإرهاب والتطرّف، عبر «امتحان دخول» يخضع له طالب الحصول على «الجنسية الأوروبية»، أو طالب «الإقامة المحدّدة زمنياً للدراسة والعمل».
يتضمن امتحان الدخول أو «التنظيف من الإرهاب»، كما تصفه صحيفة «بيلد»، ثلاثين سؤالاً، تهدف جميعها للكشف على «النوايا» الإرهابية المختزنة في نفوس الرعايا «المسلمين»(الذكور تحديداً)، والتي تفترض وجود «إرهابي صغير» في داخل كل معتنق للديانة الإسلامية.
وقال الطالب اللبناني أنيس. ف «أنا لست إرهابياً أو متطرفاً في قناعاتي السياسية، ومؤمن بالحوار وبفصل الإيمان الديني عن الدولة والسياسة. كما أنني معجب بالتطوّر والتقدم في المجتمعات الأوروبية. ولكن، عندما طرحوا عليّ الأسئلة للتأكد من خلو جسمي من الإرهاب، شعرت نفسي أشبه بحقيبة سفر تمرّر داخل النفق الكهربائي في دائرة الجمارك على الحدود للتأكد من خلوها من المتفجرات والممنوعات، أو بكيس بضاعة يمرّر داخل الأقواس في المحال التجارية الكبرى للتأكد من شرعية وسلامة محتوياته، وخلوّه من المسروقات».
وفي العودة إلى ما نشرته وكالة الأنباء الألمانية الرسمية في السادس من شهر تشرين الثاني الماضي، يتبيّن أن خطّة «امتحان النظافة من الإرهاب» كان قد طرحها الحزب المسيحي الديموقراطي في مقاطعة «بادن ـــ فيرتنبرغ»، على أن يبدأ تطبيقها في مطلع العام المقبل. إلا أن تطبيقها بدأ في مطلع الشهر الجاري، بهدف مواجهة أعمال العنف والتطرف، و«إيقاظ الخلايا الإرهابية النائمة» عند معتنقي الديانة الإسلامية، ولتفادي حالات «النوم الإرهابي العميق» عند الطلاب تحديداً، كي لا تتكرّر تجربة 11 أيلول، والتي نفّذتها «خلية القاعدة الطلابية»، التي كانت تدرس في الجامعات والمعاهد الألمانية.
وفي التعليق على هذا النوع من الأسئلة، ترى بعض وسائل الإعلام الألمانية أنها تمثّل «استخفافاً بالإرهابيين»؛ إذ من غير المعقول أن يكون الإرهابي الذي يتدرب على الطيران ويرسم مخططات للسيطرة على الطائرات وتخطّي حدود الدول، على هذه الدرجة من «السطحية والسذاجة» التي تمنعه من تجاوز امتحان أسئلة سخيفة، «كامتحان النظافة من الإرهاب».
نماذج الأسئلة
ونشرت صحيفة «بيلد» الألمانية نماذج أسئلة امتحان «النظافة من الإرهاب». وكما نقل بعض تفاصيله ومضمونه الطلاب العرب، الذين توجهوا للحصول على تمديد إقامتهم لمتابعة الدراسة، وكانت لديهم الجرأة للتعبير عن استيائهم وغضبهم، في وقت يدفع بقسم كبير من الرعايا العرب، اللاجئين المشردين، إلى ملازمة الصمت وعدم البوح علانية بما تعرضوا له، خوفاً من إعادتهم إلى مخيمات التهجير والبؤس، «المؤقتة الدائمة».
وفي ما يأتي نماذج الأسئلة:
ـ ما هو رأيك بالقول إنه يجب على المرأة طاعة زوجها وإنه يملك حق ضربها في حال عدم طاعته؟
ـ هل يجوز للرجل سجن زوجته أو ابنته في البيت لتفادي قيامهما بأعمال تجلب العار؟
ـ هل تعتقد أن الرجل والمرأة يتمتعان بالمساواة أمام القانون؟
ـ ما هي الوظائف التي لا يجوز للمرأة أن تمارسها؟
ـ هل لديك مشكلة في حال امتلاك المرأة للسلطة والقرار في إدارة الأعمال؟
ـ ما هي ردة فعلك في حال إقدام ابنتك أو أختك على الزواج من رجل يؤمن بمذهب ديني آخر؟
ـ ما هي ردّة فعلك إذا علمت بممارسة ابنتك لمهن وأعمال لا ترضيك؟
ـ ما هو رأيك بإقدام الأهل على إكراه الأولاد على الزواج؟
ـ في ألمانيا تعدّ السباحة جزءاً من التعليم الرياضي الطبيعي في المدارس. هل تسمح لابنتك بممارسة هذه الرياضة؟ في حال الرفض، ما هي الأسباب؟
ـ سمعت بكل تأكيد بأحداث 11 أيلول في نيويورك وأحداث آذار 2004 في مدريد. هل من نفّذ هذه الأعمال مناضل في سبيل الحرية، أم إرهابي؟
- علمت أن أحد أقربائك أو معارفك يخطط لعمل إرهابي. ما هي ردّة فعلك؟
ـ تنشر وسائل الإعلام وقوع بعض الجرائم لاسترداد شرف العائلة. ما رأيك بهذه الجرائم؟
ـ ما رأيك بقيام نظام تعدد الزوجات في ألمانيا؟
ـ يتهم البعض اليهود بالمسؤولية عن أعمال 11 أيلول في الولايات المتحدة وبأنهم وراء كل الأعمال السيئة والمشينة في العالم. ما رأيك بهذه التهمة؟
ـ ما هي ردة فعلك إذا علمت أن ابنك شاذ جنسياً ويرغب بمساكنة أحد الرجال؟
ـ في ألمانيا يشهر البعض الشذوذ الجنسي. ما هو رأيك بوجود شاذّين جنسياً في الدوائر الرسمية؟



أنا لست إرهابياً أو متطرفاً في قناعاتي السياسية، ومؤمن بالحوار وبفصل الإيمان الديني عن الدولة والسياسة. كما أنني معجب بالتطوّر والتقدم في المجتمعات الأوروبية. ولكن، عندما طرحوا عليّ الأسئلة للتأكد من خلو جسمي من الإرهاب، شعرت نفسي أشبه بحقيبة سفر تمرّر داخل النفق الكهربائي في دائرة الجمارك على الحدود للتأكد من خلوّها من المتفجرات والممنوعات، أو بكيس بضاعة يمرّر داخل الأقواس في المحال التجارية الكبرى للتأكد من شرعية وسلامة محتوياته، وخلوّه من المسروقات