strong>مهدي السيد
أسبابها «طريقة عمل» و«جداول سياسية» ومفاعيل «صدمة» مختلفة... وآثارها قد تطال مسار أنابوليس

كشف التقرير الأخير لأجهزة الاستخبارات الأميركية عن المشروع النووي الإيراني، عن وجود فجوات ظاهرة في التقدير بينها وبين نظيرتها الإسرائيلية على مستويات عديدة، أهمها الجدول الزمني المُقدر لامتلاك طهران للقنبلة. وعلى الرغم من تركيز العديد من المراقبين في إسرائيل على المعطيات التي تبرر هذه الفجوة، كانت لافتة الإشارة إلى وجود اعتبارات سياسية لدى الطرفين، تؤدي دوراً حاسماً في ترجيح كفة التقدير لدى كل منهما.
في هذا السياق، أشار يعقوب كاتس، في «جيروزاليم بوست»، إلى أن «صلب الخلاف الأميركي ـــــ الإسرائيلي هو على مسألة ما إذا كانت إيران قد أوقفت برنامجها النوويّ العسكريّ؛ ففيما يقول التقرير الأميركيّ إنّهم جمّدوا البرنامج عام 2003، يرى التقدير الإسرائيلي خلاف هذا، ومع ذلك فإن كلا البلدَيْن له الموقف نفسه بخصوص احتمال أن يُستعمل البرنامج النووي الإيراني المدنيّ لصناعة قنابل عندما يكتمل، والفرق الوحيد هو التاريخ».
وبحسب كاتس، فإن «السؤال الأساسيّ يبقى: ما هو التسلسل الزمنيّ الحقيقيّ؟ هنا لا إجابة واضحة؛ فعلى الرغم من وجود تعاون عالي المستوى بين الولايات المتّحدة وإسرائيل بشأن إيران، فإن لكلّ وكالة استخبارات مصادرها الخاصّة وطريقة عمل خاصّة».
وفي إشارة إلى اعتبارات غير مهنية لتقدير كلا الجانبين، لفت كاتس إلى أن «كلًّا منهما متأثّر بجداول أعمال سياسيّة مختلفة؛ فبينما لا يزال الأميركيّون في حالة صدمة، بسبب فشل الاستخبارات الفادح بخصوص أسلحة الدمار الشامل العراقيّة المزعومة، ولذا، لا تريد أن تطلق إشارة كاذبة مرّة جديدة، فإن إسرائيل لا تزال في حالة صدمة بسبب فشلها في التعرّف إلى برنامج ليبيا النوويّ قبل أن يوقَف ضمن صفقة أجراها العقيد معمّر القذّافي مع الولايات المتّحدة وبريطانيا».
ويضيف كاتس أنه «نتيجة لهذه الصدمات، يترجم كلا البلدَيْن الوضع بطريقة مختلفة بعض الشيء. تأخذ إسرائيل المسار الأكثر صرامة، بينما في أميركا ـــــ حيث ثمة شعور مناهض للحرب آخذ بالتزايد ـــــ التقرير هو بمثابة رسالة مفادها أنّ الخيار العسكريّ ليس مطروحاً على الطاولة، حاليّاً على الأقل».
أما المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئل، فأشار من جهته إلى «حصول مداولات محمومة داخل قيادة المؤسسة الأمنية، لمناقشة معضلتين اثنتين: هل تستطيع اسرائيل طرح معلومات ما تبرهن للأميركيين بأن تقديرهم الجديد خاطئ؟ وأية سياسة جديدة سيجب على إسرائيل بلورتها في القضية الإيرانية؟».
وبحسب هرئل، فإن «إسرائيل لم تفاجأ بالتقرير، بل إن المفاجأة في اسرائيل كانت تتعلق بحدة الخروج عن الخط السابق الذي طرحته وكالات الاستخبارات، وحقيقة أن التقرير قد صدر علانية».
وعلى الرغم من محاولات المسؤولين الإسرائيليين تجنب إثارة أي مشكلة مع الإدارة الأميركية، يؤكد هرئل أن «التقرير سيثير توتراً في مسارين اثنين: سيلقي بظلاله على التعاون القوي بين أجهزة الاستخبارات في الدولتين لأن المسألة ليست الآن مجرد جدل حول الجدول الزمني بل هي خلاف مبدئي بصدد النوايا الايرانية. هذا الجدل سيثير ضيقاً اسرائيلياً في ظل الشعور بأن الولايات المتحدة تتركها في الساحة وحدها. وقد يؤثر التقرير، بشكل غير مباشر، بل سيئ، على العملية السياسية الاسرائيلية ـــــ الفلسطينية (مسار انابوليس)، ذلك أنه إذا لم تعد اسرائيل تتمتع بالدعم الكامل من جانب الولايات المتحدة في قضية المشروع النووي الإيراني، فقد تشعر بأنها أقل التزاماً بالتنازلات وتقدم الاتصالات مع السلطة الفلسطينية».
وفي إشارة إضافية الى الاعتبارات السياسية في التقدير الأميركي، قال هرئل «ليس من المستبعد أن يكون الاحتمال الذي طرح، أن أجهزة الاستخبارات الاميركية سعت الى تخليص بوش من ورطة هجمة غير شعبية على ايران من خلال ذلك. وثمة تفسير آخر دار حول الآثار الشديدة التي منيت بها الاستخبارات الاميركية بعدما قامت بتضخيم النوايا العراقية قبل الحرب».
بدوره، أشار معلق الشؤون الأمنية في «يديعوت أحرونوت»، رونين بيرغمان، إلى أنه «لا جدال في أن الإيرانيين يحاولون بهذا القدر أو ذاك من النجاح تفعيل 3 آلاف جهاز طرد مركزي. الجدال هو حول ماذا يفعل ما يسمى في دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات ـــــ مجموعة السلاح ـــــ المنظومة التي يفترض بها أن تأخذ النشاط النووي المدني الشرعي الايراني وتحويله بهدوء تام إلى قنبلة ذرية».